• الرئيسية
  • قصة قصيرة
  • ادب عربى وعالمى
  • رجيم وصحة
  • سياسة الخصوصية
  • تواصل معنا
  • لــعْـبْ ذِرّي..في نهارْ العيد

    أتذكر ذلك اليوم المشؤوم يوم عيد الإضحي المبارك... كان ذلك في أواخر السبعينيات عندما عدت محملا بافكار جديدة و غير مناسبة لأغلبية أفراد العائلة، أسباب ذلك تعود أوّلا انني أقنعت أبي ان تلك القرابين التي يذبحها سنويا قبل عودتنا للمدرسة تقربا لسيدي" فلان "الولي الصالح لا تنفع في شيء، فهذا "الولي" لايجري الإمتحانات معنا حتى يكون نجاحنا بفضله و لم يأتنا في المنام و لو مرّة واحدة لكي يساعدنا ب"فوس كوبي" بل ان نجاحنا في الدراسة انا واخوتي تم بفضل مجهودنا الشخصي نحن ابناءه ومجهود المدرّس الذي ادّى واجبه بكل مسؤولية و مجهود الوالد المحترم الذي لم يدخّر جهدا لتوفير مستلزمات النجاح من أدوات مدرسية و أموال ونفقات المبيت و التنقل... ألخ...لم تتقبّل العائلة ما اردت تبليغه في بادئ الأمر لكن بمرور الزمن ورفضي القاطع زيارة مقام الوليّ حعل أبي يقبل عن مضض عدم ذبح القرابين خاصة و ان بعض علماء الدين في القرية اباحوا له عدم ذبح الخروف باعتبار ان هذا أقرب منه الى الشرك بالله...ساعدتني هذه " الفتوى " التي افتاها " فقهاء"القرية في التخلّص من عادة الذبائح للأولياء.. هؤلاء "الفقهاءّ الذين اتضح لي فيما بعد انهم الطلائع الأولى للحركات الظلامية في الجهة و الذين نصحوا نصيحة "العرْبي" التي نصف فائدتها له كما يقال في المثل الشعبي حيث فهمت فيما بعد انهم يتمنون ان تكون الهبات و القرابين لهم " للإعلاء راية الجهاد " في سبيل الكرسي ...

    كبر اخوتي وكثرت نفقات التعليم على والدي المحدود الدخل، و ساءت حالته المادّية حتى فكّر بعض إخوتي الأنقطاع التلقائي عن التعليم لتخفيف الأعباء المالية على والدي، لكن ابي و بشجاعته المعهودة تمسك بتعليم كل أفراد العائلة كلفه ذلك ما كلفه ، بل وغضب غضبا شديدا لتفكير بعضنا في الإنقطاع عن الدراسة.

    جاء عيد الإضحى في تلك السنوات و كان ابي يعاني ضائقة مالية نتيجة المصاريف التي ذكرت، فقرّرت ان أفاتح ابي في موضوع الأضحية وان أقترح عليه ان لا يشتري خروفا و ان لا يستدين لأجل ان هذه المناسبة، كان عليّ ان أبدأ بإقناع إخوتي حتى يقع الإجماع بيننا و إلاّ فإنّ ابي سيرفض المقترح حتى و ان أدّى الأمر للإستدانة. وافقت أمي و أخوتي بإمتعاض أحيانا و بقناعة أحيانا أخرى . في الحقيقة منذ طفولتي لم اكن متدينا بالقدر التي ترضاه أمي، بل و كنت محل غضبها خاصة لما يتعلّق الأمر بالقرابين و الذبائح ورفضي الدائم الذهاب الى " الزرْدة " وكنت لا أقبل أن أشم رائحة البخور، وكنت تذوقت ماء زمزم هدية حملها عمي معه عند رجوعه من الحجّ لكن و جدته ماء مالحا و ذو طعم ترابي و طيني فلم أكمل كأسي و بصقت ما كدت ابتلاعه من الماء. و كانت أمي ترى أن كل شيء من سلع أو غيرها يأتي من السعودية فيه رائحة الجنّة او من الجنة ، فلما أصارحها ان هذه السلع من قماش او علب او مسابح مصنوعة في الصين أو اليابان او أمريكا كما هو مكتوب و ان لا علاقة لتلك السلع بالجنة او بمكّة أصلا، كانت تنهرني و تأمرني بعدم قول هذا حتى لا" تهرب " البركة من المنزل .
    قلت فاتحت أبي في عدم شراء الخروف ، فرفض لكن بتدخل أفراد العائلة و بحكم التنسيق المسبّق قبل بالأمر بالمقابل قبل يوم واحد من العيد اشترى بعض الكيلوغرمات من اللحم و "دوّاره" للعصبان و راس غنم .... كل شئ على ما يرام قمنا يوم العيد باكرا و بعد صلاة العيد اشعلت أمي كانونا من الفحم و انتصبنا حوله لتحضير المشوي بينما صففت أختي الكبرى الخضر لتحضير العصبان و جلس ابي بعيدا عنا وهو يترشف كأسا من الشاي الأحمر كعادته و بجانبه الرّاديو الذين يذيع تهاني العيد و أغاني "الكبش يدور" و بعض مقاطع نشرات الأخبار التي تتحدث في مجملها عن الرؤساء و الملوك الذين قدّموا تهانيهم "للمجاهد الأكبر" والماجدة ووو .....
    لم يقطع هذا الجوّ العائلي الرّائع البهيج إلآ.... طرقات قوية على الباب، فتح اخي الباب فوجد عمّي بيده فخذ خروف مازالت دماءه و بخاره عالقان به وهو في حالة غضب شديد فقال متجها الى ابي : " لماذا لم تقل لي انك لم تشتري خروفا ؟؟ كنت اشتريت خروفا آخر لكم " بقي أبي يقسم انه اشترى ما يكفي من اللحم و زيادة وان " الأولاد" لايريدون خروفا و اهم هم الذين شجعوه على عدم الشراء.....رمى عمي فخذ الخروف قرب الكانون وخرج غاضبا لأن كلام ابي لم يكن مقنعا بالنسبة له. بعد خروج عمي ، نظر لي ابي نظرة تعبّر عن عدم الرّضاء و كأنني انا من كنت السبب في هذا الموقف وهو عدم شراء الخروف . تجاهلت غضب ابي وتضاهرت بعدم الإهتمام و واصلت الحديث مع إخوتي و أكل المشويّ.... مرّ أخرى نسمع طرقا على الباب فإذا به عمي الأخر أعلمه عمي الأول بالحكاية و بعدم شراءنا لخروف فقام تقريبا بنفس الشئ إلا انه لم يخرج غاضبا فقد حمل معه قصعة مليئة باللحم وو ضعها أمامنا ، ورغم لومه الخفيف فإن ابي اَضطر لإعادة الحكاية من أولها على آذان عمي الثاني.....وجاءت عمتي..و جاء جارنا ...و صديق الوالد...و امك حليمة..و صالح بائع الملابس المستعملة..و عمر بائع الجلود و صاحب المخبزة......كلهم يلومون و يأسفون لسماعهم في آخر وقت ...و يقسمون بان اذا لم نأخذ اللحم الذي أهدوه لنا فإنهم لن يأكلوا اللحم بدورهم....وووو.....بدأت عينا ابي في الإحمرار.. و تكدّس اللحم و اصبح "ماسطا " بل ونتنا ...جمعت امي اللحم في "قصعة" كبيرة ...أغلق ابي الراديو...ذبلت جمرات الكانون ...رمت اختي الخضر التي كانت تعدّها للعصبان ...وقفت انظر في و جوههم ...انا صاحب الفعلة النتنة...لماذا فعلت هذا ؟؟؟ هل كنت محقأ ؟؟؟ هل الأقارب و الجيران و كل الذين أتونا وأفسدوا علينا عيدنا على حقّ ؟؟؟ نظرت أمي بكل انقباض وقالت: " هذا الكل جرتكْ " و قامت تكنس الدار ...دخل ابي بيته و نام يوم العيد ...خرجت و اخي و كأنه اراد ان يهوّن علي، كرهت عيد الإضحى و الخرفان و كل الذين قدّموا لنا هذا اللحم ...و كرهت ماء زمزم و أغنية "الكبش يدور و قرونو نطاحة" و المجاهد الأمبر و الماجدة والملوك و الرؤساء ...و أم كلثوم في أغنية "القلب يعشق كل جميل"... نتن ذاك اللحم فرمته امّي في الزبالة حتى بقية اللحم الذي اشتراه ابي ......ومن يومها وابي يشتري خروفا كل عيد ...و كل عيد و انا ألعن ذلك العيد و العادات الدموية لهذه الأمة....
    التعليقات
    10 التعليقات

    مدون بلوجر

    المشاركات الشائعة