• الرئيسية
  • قصة قصيرة
  • ادب عربى وعالمى
  • رجيم وصحة
  • سياسة الخصوصية
  • تواصل معنا
  • معزاة الجدّ سعد

    على الساعة منتصف الليل طوّقت قوات الجندرمة المسكن المتواضع للجدّ سعد، وهو عبارة عن بيت صغير بني من الحجارة و كان سقفه من القصب و الطوب يقابله ما يشبه الكوخ " النوّالةّ" التي جعلتها جدتي رحمها الله كمطبخ ومكان لإخفاء الحطب و الفحم حتّى لا تتبلّل بفعل الأمطارومكانا آمنا لتبيض فيه دجاجاتها، يحيط بالكل سور و هو ما نسميه ب "الحوش" هذا الحوش واسع نوعا مّا ليأوي بعض النعاج و المعزاة والحمار الذي يستعمله جدّي كبائع بضائع متجوّل...قلت في تلك الليلة القارسة اشتعلت أضواء من كل ّصوب و حدب ودخل عدد من الجندرمة وسط الحوش بنما صعد آخرون سطح المنزل، لم يتبين جدّي عددهم بالضبط لظلمة المكان لكن رحمه الله ذكر لي ان عددهم يفوق الثمانية لأن عدد سيارات "الجيب" كان ثلاث...
    صاح أحد الصبايحية : سعدْ ..سعْدْ...أخرج ....لو حاولت الهروب فسوف تموت ..أخرج حالا رافعا يداك الى فوق..ودون الإلتفات...هل سمعتني ياسعد؟؟؟ ردّ جدّي بتلعثم من هول الصدمة :نعم لقد سمعتك و سوف أخرج ..فقط قليلا من الوقت حتى ألبس " القشّابية" عندها رد عليه الصبايحي : تخرج حالا بدون ان تشعل "القازة" و دون ان تلبس أي شيء من بعد سوف نعطيك ما تريد..فقط أخرج الآن ...
    سالته جدّتي: ماذا فعلت ؟؟ قال جدي: لا أدري ...انتبهي الى الأطفال قولي لهم سوف أعود...لا تبكي حتى لا تفزعيهم..خرج جدّي من البيت و عند خروجه ارتمى عليه إثنان من الجندرمة و وضعا الأغلال في يديه و اركبوه سيارة "الجيب "و رجعوا به الى مركز الجندر
    مة بالقرية وهو مركز مشترك بين الجيش و الجندرمة لازال بناءه حتى اليوم.
    كان جدي لا يتكلم الفرنسية، وعليه فقد كان يتوجّه لمحمد صالح الصبايحي بالكلام : ماذا فعلت ؟؟ ولماذا أتيتم بي الى هنا؟؟ فيردّ عليه الصبايحي سوف تفهم في الآخر..وضعوا جدّي في زنزانة دون غطاء و دون لباس ما عدي سروال عربي و فرملة ...دق جدّي الباب مرّات و مرّات دون ان يسمع له نداء ...
    جدّي هذا رجل بسيط يعمل كتاجر متجوّل، ليس أية علاقة بالفلاّقة و لا بالثوّار و يسكن منذ مئات السنين مع أبناء عموميه الرّيف في مجمع سكني يشبه " الدّوّار" و كانت ارضهم خصبة و لم يكونوا ملاّكا كبارا للأراضي بل من الملاك الصّغار، غير أنه و في بداية الإستعمار الفرنسي اتي المعمّر "رينو" وافتك بعض الأراضي من بعض الفلاحين والكثير من أراضي "الوقـْـف" وابتني ضيعة كبيرة و جلب الكثير من اللآلات الزراعية الحديثة و بالتالي أصبح من كبار ملاك الأراضي و اصطدم بمشكل اليد العاملة فقد رقض جدي و أبناء عمومته العمل لدى المعمّر لأسباب كثيرة اولا لأنهم لم يعملوا في الماضي كعمال فلاحيين انما كملاك للأرض و لو كانت صغيرة و بالتالي فإنهم يرفضون ان يكونوا خمّاسة، ثانيا لأن المعمر "رومي" وافتك الأراضي فهي ليست ملكه و لا يمكن العمل عند الكافر الرومي إطلاقا.
    أحسّ المعمر " رينو " انه منبوذ و غير مرحب به و جيرانه العرب يكرهونه، فاظطرّ لأستجلاب يد عاملة من خارج الحهة و بعيدا ببعض الكيلومترات ، وعمل على استعمال كل الأساليب للتضييق على جيرانه حتى يتخلص منهم و يفتك أرضهم و قد ساعده في ذلك عماله من العرب الذين استجلبهم للعمل حيث أصبحوا من ألدّ الأعداء لجيران المعمر و يتقوّلون عنهم كذبا و بهتانا إرضاءا للمعمّر و تقرّبا للمستعمر ....
    كبرت العداوة بين المعمّر وعمّاله من جهة وجيرانه الأصليين حتى تطوّرت، الى درجة ان الجندرمة تزور ضيعة المعمّر باستمرار لاستفزاز جيران المعمر "رينو"و الزج بهم حقا و باطلا في السجون و التعذيب و الضرب المبرّح داخل الضيعة و بمراكز الإيقاف بالقرية.
    نعود لجدّي الموقوف بمركز الجندرمة، لأشير ان
    ه و في الصباح بعد أن قضّى الليل واقفا بالزنزانة اتى المعمّر "رينو" مقطّب الجبين و بعدما أخرجوا جدي من الزنزانة سأله الجندرمي : كم من مرّة و قع التنبيه عليكم باحترام ضيعة "ميسيو رينو "فردّ جدي : وماذا فعلت ؟
    قال الجندرمي: المعزاة التي هي على ملكك دخلت الضيعة و أكلت الأزهار المغروسة بها ...
    قال جدّي: و من قال لكم أن معزتي هي التي أكلت الأزهار و الورود؟؟؟
    قال الحندرمي : عمّال الضيعة أخيرونا بذلك...و هي ليست المرّة الأولى التي تفعلها.
    قال جدّي: ان كان كذلك فلماذا لم يقع حجزها من طرف حرّاس الضيعة...و كيف تركوها ترجع دون حجزها ؟؟؟ ألم يحجزوامن قبل بقرة فلان ، ألم يفتكوا بغل فلتان؟ ألم ....ألم.....ألم...؟؟؟؟
    صاح الجندرمي و الصبايحي: أسكت اتكذبنا ؟؟؟ ألا تعل
    م ان تلك الورود وقع جلبها من فرنسا؟؟؟؟؟
    قال جديّ: لنفترض ان معرتي هي التي قامت بأكل الورود، هل لكم شاهد على ما تقولون...
    قال الصبايحي :نعم ...أدخل يا الطيب وهو أحد عمال الضيعة...
    قال الصبايحي : من أكل ورود و أزهار "مسيو رينو"
    قال العامل : معزة "سعد "لقد رأيتها بأم عيني و عندم
    ا حاولت مسكها هربت...انها معزة بنت حرام ..كم من مرّة أفلتت منّي...
    قال الصبايحي : أتريد الإنكار مرّة أخري...لو أردت لأتينا بكل العمال ..لكن لايهمّ...المهم ان تصلح ما أفسدته المعزاة..
    قال جدّي: و كيف أصلح ما أفسدته المعزاة ؟؟؟؟ من أين
    سآتي بالورد و أزرعه ؟؟؟
    قال الصبايحي : لا.... سوف تدفع خطية مالية....لكي تحسن حراسة معزتك و تتعلّم الحفاظ على الورد...
    ردّ جدي : و كم هو مقدار الخطية ؟؟
    -6 فرنك

    -ردّ جدي بتعجّب : خذوها...ان ثمن المعزة لا يتجاوز 3 فرنك.
    - يظهر انك لا تريد الخروج من السجن، قلت 6 فرنك يعني انني لا ألعب...ثمن الورد ، والمحروقات التي استعملها الجندرمة للقدوم إليك و أجرة الشاهد الذي قدم للشهادة ضدّك
    و فقد أجرة عمله و...و...

    رفض جدّي دفع الخطية و ارجعوه للسجن ليبيت ليلة أخرى، و في الغد اجتمع ابناء عمومته و دفعوا الغرامة المالية لأن جدتي و امي و جميع العائلة لم ينقطعوا عن البكاء و العويل منذ اقتياد جدّي الى السجن،و في يوم السوق الأسبوعي حمل جدي المعزاة ليبيعها لأول شاري...
    نغّص المعمّر " رينو " حياة المتساكنين و حرمهم من كل أسباب الحياة رغبة منه في الإستلاء على أراضيهم القليلة، لكن المتساكنين الأصليين صبروا و تحملوا كل الظام المسلط عليهم و لم يبيعوا أرضهم ولم يرضوا ان يعملوا عنده بل أقدم بعضهم كلما سنحت الفرصة و استغفلوا عمّاله و خاصة "الطيّب" القوّاد الذي أصبحت زوجته عاملة تنظيف لدى زوجة المعمّر أن يتلفوا بعضا من مواشيه و أملاكه.

    ما حزّ في نفس المتساكنين جيران المعمّر هو موقف التونسيين العاملين لديه الذين تسببوا في سجن و تعذيب العديد من من جيران المعمر و ذلك بالوشاية و الكذب و التقرب للمعمر و لو على حساب المتساكنين.
    عندما كثرت العلميات الحربية ضد المعمّرين من طرف الفلاّقة الذين بدأوا ينتشرون في ربوع الشمال الغربي ، شعر "رينو" بالخطر و عرف ان جيرانه لن يتركوه آمنا خ
    اصة بعد كل الذي جرى من قبل. حاول التودّد إليهم لكنهم رفضوا مرّة أخرى.
    وفي أحد المرّات وهو يزور بعض أصدقائه في بنزرت وقعت حوادث بنزرت، وسقط العديد من الشهداء،فكان ان وقع تسفيره من جملة المسفرين لفرنسا و ترك كل ضيعته و عمّاله و ما ملكت يداه.
    عندما علم رئيس العملة " الطيّب" بتسفير "مسيو رينو" خلع قصره الشخصي وهو ينادي :تحيا تونس... واستولى على كل أشيائه الثمينة من التحف و الصياغة و الذهب
    وقام بإهدائها لزوجة أحد كبار المسؤولين. أصبح سي "الطيب" مواطن صالح ويحب تونس،و وقع تمليكه لأرض إثر تدخّل زوجة المسؤول الكبيربجانب الضيعة. وتولى بعدها مسؤولية محلية و حزبية ...
    كان يظن ان كل شيء وقع نسيانه من طرف المتساكنين، لكن هيهات، فقد قدم في أحد الأيام لتوزيع إعانات فلاحية لجيرانه القدامى فوقع طرده شرّ طردة و كان لا بدّ ان يتدخل الحرس الوطني لإنقاده منهم ، وعند رجوعه سجّل ان هؤولاء المواطنين يرفضون تلقّي المساعدات الفلاحي
    ة و التعامل مع مناضلي الحزب لأنهم ليسو بورقيبيين و قد يكونوا من أنصار فرنسا و العياذ بالله أو في أحسن الحالات يوسفيين....و عليه دخل هؤولاء المتساكنون مرحلة ثانية من التهميش و التناسي...




    واجهة ضيعة المعمّر "رينو"






    التعليقات
    4 التعليقات

    مدون بلوجر

    المشاركات الشائعة