• الرئيسية
  • قصة قصيرة
  • ادب عربى وعالمى
  • رجيم وصحة
  • سياسة الخصوصية
  • تواصل معنا
  • زوجة الكنبطان..

    لاأحد يعرف لماذا اختارت "الكنبطان "من دون نساء القرية،فرغم جمالها الأخاذ وعيونها الزقاوين وقدها الميّاس فقد اختارته هو بدمامته وذراعه المبتورة وآثار مرض الجدري على وجنتيه فمنذ عودته من حرب الأندوشين التي ذهب إليها طواعية هو وثلة من شباب القرية الذين ذهبوا قسرا بعد أن وقع الإختيار عليهم من طرف الجيش الفرنسي انذاك و الذي قدر عددهم بما يقارب الثمانية ، كان الكنبطان الوحيد الذي تطوّع للحرب في صفوف الجيش الفرنسي ، فلم تندبه أمه و لا أهله بل ودعوه وكأنه ذاهب لنزهة و لم يبكي أثناء وداعه لأهل القرية فقد كان هادئا و صامتا على عكس الجنود الآخرين الذين إنتحبوا و أخفوا وجوهم حتى لا يرى أحد عيونهم المحمرّة من البكاء.
    فبعد الحرب لم يعد من الشباب إلاّ "الكنبطان" و "يوسف الرّاعي" اما البقية فقدد لقوا حتفهم في حرب لا تعنيهم و لم يختاروها أصلا،فقد ماتوا واحدا واحدا في كمائن ومصائد المقاومين الوطنين ضدّ الجش الفرنسي المحتلّ،لمّا استعملهم الجيش الفرنسي ككاشفي عدوّ محتمل في المقدمة بينما وقع تأمين الجبش الفرنسي الأصل في المواقع الخلفية مثل كل عسكري جبان لا يؤمن بالشرف العسكري، فهذه عادة الجيش الفرنسي في كلّ حروبه و في كل هزائمه مع جنوده من أصل إفريقي و عربي.
    عاد "الكنبطان " للقرية بشكل يشبه أحد مرتزقة قصّة "جزيرة الكنز " الشهيرة فاقدا لذراعه اليمنى و عليه آثار جروح و قد قطعت أصابع ساقه اليمنى الشئ الذي جعله يستعمل عصى من الخيزران الرفيع للإتكاء عليها أثناء سيره . وأثناء غيابه في الحرب الملعونة توفيت أمه ثم تبعها ابوه بعد سنتين وتزوجت أخته من أحد عمال منجم القلعة الجرداء و لم تعد للقرية إلا عند موت أمها و لم تحضر جنازة أبيها ربما لعدم علمها بموته و لبعد القرية عن منجم القلعة الجرداء الذي يتطلب ثلاثة أيام من السير راجلا، بل هناك من قال ان زوجها خيّر العمل بمنجم الفسسفاط "بأم العرايس" و عليه فقد صحبت زوجها للقرية الجنوبية النائية و انقطعت اخبارها. فلم يبقى من عائلة الكنبطان الآ احد عمومته وعائلته الصغيرة.
    يذهب الكنبطان كل شهر الى مدينة الكاف للحصول على راتب شهري خصصه له الجيش الفرنسي كمنحة تعويض على القصور البدني الذي سببته له الحرب وهو راتب على قلته كاف للحياة العادية، لكن لم يمنع هذا من أن سكان القرية يتبرمون منه و يرفضون مصاحبته و معاملته كباقي سكان القرية،لتشدده وعبوسية وجهه و نابي كلامه فهو صعب المعاشرة ومنزوي....لم تقبل اية فتاة الزواج به و كان يقابل بالرفض كلما أراد طلب يد فتاة،فقد قيل عنه انه يحب القتل و الدماء و لذلك كان الوحيد المتطوع لحرب ظالمة و لعينة، ثم أنه "أحْرفْ" و سيء الطالع فقد مات تقريبا جميع أهله و تفرّقوا منذ ولادته،ولم يبقى منهم إلاّ عمه هذا الذي يتحاشاه بدوره لإعتقاده في طالعه الأسود ، بقي ان الناس يتساءلون : لكن لماذا لم يمت في الحرب رغم طالعه المسودّ ؟؟ ومات البقية ..

    لقد رضيت به زوجا هذه الشابة السابية ممشوقة القوام بعد عقد قران لم يحضره إلا قلة من الناس، لايفو ت عددهم العشرة أشخاص، لم يكملوا العشاء الذي أعده الكنبطان و الذي يكفي العشرات من المدعوين،دخلوا عن وجل و خوف و خرجوا كذلك ، كان الكبنطان يدعوهم ببشاشة على غير عادته للأكل و المرح لكنهم يعتذرون بصمت و خوف ...يا الله هل هو الخوف من الكنبطان ؟؟ لا أبدا ..إنه الخوف الآخر..إنه الخوف من البورقبيين..لقد زرع بورقيبة العسس في كل قرية ليصطاد اليوسفيين..قتلا و نفيا و طردا من البلاد..و هذه المرأة لم تكن إلا زوجة سابقة لأحد اليوسفيين الذي يمقته بورقيبة و جماعته ..كان حفلا صغيرا و مقتضبا ، من حضره تحمل الكثير من الوزر ، لأن الخوف ملأ قلوب الناس ، فبمجرد الشك في أنك تتعاطف مع اليوسفيين قد يعرضك لنقمة الشقّ البورقيبي و للعسف و التشريد ، إذا هذا الحضورة مخاطرة و تحد كبير للخوف ، فكيف يحلو السهر في ظل خوف مطبق؟؟ و كيف يفرح الناس و كل حركة غير محسوبة تعرض صاحبها لسوء المصير...
    لكن كيف تزوّجت هذه المرأة الجميلة محاربا وطنيا و مناضل صعب المراس ، ومن بعده تتزوّج جندي سابق في الجيش الفرنسي ؟؟ ومن أغراعها بهذا الزواج الغير متكافئ؟؟؟ ...نعم إنه زواج غير متكافئ و لا عادل ، لكنها تبدو سعيدة و راضية نوعا مّا...لقد تمناها كل رجل زوجة لكنها قبلت ب" الكونبطان" ، يال حظه السعيد هذه المرة.....هذا السؤال حيّر أهل القرية و حير البورقبيين و لم يجدوا له تفسيرا معقولا.....
    دسّ البورقبيين عيونهم في كل مكان لمعرفة السرّ الذي أرّقهم و أقض مضجعهم،لكن هيهات فقد أصرّ "الكونبطان"على الصمت و منع زوجته الخروج او الحديث مع الجارات. وكم هدده بعض المخبرين بالموت او التعذيب ، لكنه كان يرد عليهم أنه عرف الموت مئات المرات في حرب الأندوشين و لم يعد يخاف الموت بل إنه يضحك من الموت أصلا. ألم يتطوع للحرب في صففوف الجيش الفرنسي تحديا للموت؟؟
    لكن أين ذهب زوجها الأول ؟؟؟ و لماذا طلقها أو طلّقته بعد حبّ كبير و شهير فقد إختارها من دون نساء القرية و جاهرت هي بحبه على غير عادة النساء و كان يوم زواجها منه مشهودا و حضره الأعيان و المجاهدون حتى من القطر الجزائري...هل ينجح البورقيبيون في استدراج " الكونبطان" لمعرفة السرّ ؟؟؟ ............يتبع...



    التعليقات
    2 التعليقات

    مدون بلوجر

    المشاركات الشائعة