• الرئيسية
  • قصة قصيرة
  • ادب عربى وعالمى
  • رجيم وصحة
  • سياسة الخصوصية
  • تواصل معنا
  • زوجة الكنبطان/الهروب..الجزء الثالث



    إرتمت" زينة "بين قدميه باكية تضرّعت له أن لا يتركها وحيدة ، فهو أبوها و أخوها وأبنها و زوجها في آن واحد،وهو من أحبته بكل جوارحها ثم أنه لم يبقى لها في الدنيا إلاّ سواه، نظر إليها "الشيحاوي " نظرة العاجز و المشفق و قال لها بنبرة حزينة :يجب ان أرحل ، حياتك عندي أغلى من أي شئ في الدنيا ،ثم أنني لا أريد تعريضك لمكروه الموت أو التعذيب و الزنازين،أولاد الحرام لاإخلاق لهم، أنهم يريدون إذلالي و إذلالك" وقفت بعد أن كانت جاثمة على ركبتها و نظرت إليه و فهمت أن لا أمل في بقائه معها، فسحنة وجهه على غير عادتها ، وكل حركاته طيلة شهور غير معتادة ، فقد أكثر من شرب الخمر و الإنزواء و مصاحبة الكنبطان ، حتى ظنت أن عدم إنجابها للأطفال هو ما يقلقه و تمنت أنها لو أنجبت ما يكفي من الذكور و الإناث لإسعاد الشيحاوي و إدخال البهجة لبيتها فلا ينقص هذا البيت إلاّ الأطفال ..نظرت أليه ثانية فرات دموعا حارّة تنهمر على وجنتيه فلأوّل مرة منذ زواجها تراه يبكي فحتى عند وفاة أمه لم يبكي بل تماسك و وقف كالجبل رغم يكنّه لأمه من حبّ ، نعم إنه يبكي بكاء الأطفال ، بل يخفي وجهه بين كفّيه حتى لا تلتقي عيناه بعينيْ "زينة" فقد شعر أنه ظلمها بهذا الزواج .

    خرج الشيحاوي لتفققد البئر، و البغلة،و "السانية" و الكرمة كانه يودّعهم ، إلتحقت به زينة حافية القدمين مرتعشة و وجلة ،لقد تخيلت ان الشيحاوي سوف يرمي بنفسه في البئر، لكنها وجدتة يتلمّس جّذع الكرمة التي طالما سقيها و أكل من ثمارها. إلتفت الشيحاوي إلى زينة و قال لها : أوصيك خيرا بكل هذا سوف أترك لك ما ملكت ، لعلني أعوضك عن غيابي، لقد تركت في الصندوق ما يكفيك من المال سنة أو سنتين و تركت عند الكنبطان أموالا أخرى ، عندما تحتاجين لمال أو غيره فسوف يسلمك ما تشائين. لست أدري كم سيطول غيابي ؟ لكنني على كل حال سوف أراسلـــك من الجـــزائر .صاحت "زينة" من الجزائر؟؟؟ فردّ عليها قائلا:
    - نعم ، من الجزائر سوف أسافر ليلة السبت القادم أي بعد ثلاثة أيام ، و إذا كنت محضوضا فإن سفرنا سيستغرق أربعة أو خمسة ليالي ، سنمشى ليلا و نختبأ نهارا ، من يدري لعل الحظ يكون جانبنا و نفلت من المراقبة، المهم أن تخرجي نهارا لسقي البغلة و تفقـّد السانية و البئر وانت ترتدين لباسي هذا واعملي على ان يراك عبد الواحد القوّاد ، فهو مكلف بمراقبتي و مراقبة حركاتي ، سوف تقومين بهذا كل صباح و كل مساء ، و بعدها تخرجين بلباسك النسائي لجلب الماء من البئر مرة او مرتين في اليوم و هكذا تتواصل عملية المغالطة مدة ثلاثة أيام ، بعدها أكون قريبا من الحدود الجزائرية أو وقع القبض عليّ . نظرت إليه في إندهاش ثم قالت و ماذا أقول للكنبطان لو سألني عنك، فقد إعتاد جلستك و منادمتك .فقال لها : لا تقلقي ، الكنبطان على علم بكل شئ، ألم أقلك أنني تركت أموالا عنده لتتسلميها متى شئت ، إني أخاف أن ينتزع منك البورقيبيون كلّ أملاكي و أموالي ويصادروها فقد إعتادوا على ذلك. لقد أوصيت الكنبطان بك خيرا ، وأنا أعرف أنه سيكون في مستوى ما أنتظر منه . بعد أسبوع من غيابي أعلني للناس غيبتي ، و هروبي لمكان لا تعرفينه و إن كتب وأن نجحت في الهروب سوف أبعث لك برسالة من الجزائر لأعلمك أنني هربت و أعتذر لك لعدم إعلامك بهروبي ثم أبعث برسالة مماثلة للكنبطان بها نفس المحتوى تقريبا حتى أجنبكما شرّ تتبعهم و استفزازهم.

    كل شئ و قع ترتيبه على أحسن ما يرام ، فالشيحاوي سيرافق بعض الضيوف الغرباء الذين قدموا لحضور زواج إبن العمدة، فهم بدورهم يوسفيون من وسط و جنوب البلاد قرروا الهروب من تونس و الإلتجاء للقطر الجزائري و بعدها سوف يتخذون القرار المناسب إمّا البقاء بالجزائر أو السفر لمصر او لبعض الدول الأوروبية.سوف يودع العمدة مابقي من ضيوفه نهارا ليتجهوا لجهة مكثر لمراوغة البورقييين بينما يتجه الباقي من اليوسفيين للغرب في إتجاه الجزائر.سوف يلتجؤوا لأصدقائهم من الثوار الجزائريين الذين إستقروا سابقا بجهة وادي ملاق و جهة الطويرف و قرن الحلفاية فالوقت حان لردّ بعض من الجميل السابق و لو أنه لا جميل بين الثوّار و الوطنيين.ثم ان بعضا من الغرباء على معرفة شخصية بالهواري بومدين عند إقامته بتونس في الحلقة الزيتونية و عندما كان يزور الناحية الشرقية او مدينة قالمة سرّا، و هم على ثقة أنه لن يتركهم و لن يسلمهم للبورقيبيين .
    تعانق الشيحاوي و الكنبطان طويلا ، و نزلت دموع الكنبطان التي لم يعهدها أحد من قبل ، فحتى يوم تجنيده بالجيش الفرنسي لم يبكي فراق أهله، نظر الكنبطان طويلا للشيحاوي و قال له كما قلت لك : حافظ على سلاحك و لا تفارقه فهو رفيقك الأكثر فعلا يوم الشدّة و لا تطلق الرصاص ليلا فلعلعة الرصاص مسموعة أكثر و لا تشعل نارا و أترك آخر الخراطيش لرأسك فالموت أهون من أن تقع أسيرا لعدوّك الذي لا إخلاق له و لا شرف عسكري له. مهمه الشيحاوي : "العدوّ...العدوّ..." يال سخرية التاريخ فقد كان يظن ان عدوه هو الأستعمار الفرنسي و الأنجليزي فأصبح اليوم عدوّه تونسيا لحما و دما ؟؟؟ رد الشيحاوي : نعم نعم ، لا تقلق يا صديقي ، "زينة" أمانة في عنقك لم يبقى لها أحد في هذه القرية غيرك،و إن طال غيابي أكثر من سنتين فتصرّف كما قلت لك ، و إن ظهر أخاها و أرادت السفر معه فأتركها تفعل ما تشاء و تبيع ما تشاء ...و لا تنسى أن تعلن غيابي بعد ثلاثة أيام ، حتى تتجنب متابعتهم لك...
    رجع الشيحاوي لبيته فوجده مظلما ، يقطع الصمت نحيب "زينة" التي تاكدت انها لن تره ثانية بعد اليوم و أن غيابه سوف يطول فكل شئ يدل على ذلك فقد سلمها مصوغ أمه و اوراق ملكية الأرض و البئر و سلمها برنص أبيه و بعض المقتنيات الأخرى..... و.....المقرون ، لم يحمل معه إلا بعضا من المال و اللّباس و مسدّسه و خاتم أبيه الفضي.
    دقت ساعة الرحيل فقد سمع ضربا خفيفا على الباب ، دقة ثمّ دقتان، كان ذلك هو علامة السفر و علامة أن العسس غائبون و أن كل شئ جاهز ، عانقها طويلا و تمنى لو طال عناقه دهورا ، و نظر إليها و قال لها : لك ما يكفي من الخراطيش و لا تنامي إلاّ و المقرون بجنابك و تحت غطائك ، كان الله معك......وخرج لا يلوي لى شئ ليلتحق بالغرباء......يتبع




    التعليقات
    7 التعليقات

    مدون بلوجر

    المشاركات الشائعة