• الرئيسية
  • قصة قصيرة
  • ادب عربى وعالمى
  • رجيم وصحة
  • سياسة الخصوصية
  • تواصل معنا
  • زواج كما أريد له - 5 -

    في اليوم الموالي و عند الصباح إستيقظت أمي كالعادة باكرا لإحضار الفطور و القهوة ، و بعد ها كأسا من الشاي ، بينما ناولت أختي الدجاجات الماء و الحبوب وقامت بتنظيف القن و و جلب الماء من البئر . يمكن أن التعب أخذ من المرأة مأخذه لأنها لم تقم إلاّ بعد أن أيقظتها أمي و ناولتها الإبريق و " اللّـيان" و هو إناء نحاسي لتغتسل و تتناول الفطور، قامت المرأة بعد أن نزعت خرق الحنّاء فظهرت الحنة على يديها و قدميها بشكل جميل و متناسق ، بعد أن غسلت أطرافها تقدمت نحو المائدة للإفطار و كانت مرتاحة لكافة العائلة و كانت قد حفظت أسماءنا كلنا بل و أسماء بعض الجيران الذين لم ترهم بل سمعتنا نذكر أسماءهم أتناء السهر، بعد الإفطار إلتفتت إلى أمي شاكرة حسن الضيافة و دعت لها و لكافة العائلة بكل دعوات الخير ثم نهضت من أمام المائدة متجهة نحو الصرّة ، و قالت يجب أن أذهب ...لقد راح النهار ولم أستطع القيام باكرا . لكن أمّي مسكتها من يدها قائلة : كيف تذهبين و "مولى بيتي" ليس على علم ؟؟؟ لقد نهض باكرا للعمل في التعاضدية الفلاحية و كان وقتها عهد التعاضد أي عهد الوزير الأول أحمد بن صالح ، ثم ّ أردفت سوف يعود مع الظهيرة و سأفاتحه في أمر رحيلك ، ثم أن ضيافة الرسول تدوم ثلاثة أيام و بعدها تستطيعين الذهاب إن شئتي ، لا ، لا يمكن لك الذهاب وإلاّ فإن زوجي سيغضب كثيرا ، لأنه ألى حدّ هذا الصباح أوصاني بك خيرا و قال لي لا تتركيها تذهب .
    حسب ما علمت فيما بعد فقد روت أمي كلّ تفصيل حياة المرأة لأبي ، و عن سرّ خروجها من بيت أخيها ، فلم تنم أمي إلاّ بعد أن روت قصتها كلها لأبي ، و أن أبي كان يستمع اليها في صمت ، ولم ينبس ببنت شفة إلا في الصباح و عند خروجه للعمل ، قال :" إكرمي هاك الوليّة و ما تخليهاش تمشي و تخليهاش تخرج من الحوش" . بقيت المرأة مترددة بين الذهاب أو البقاء معنا لكن تمسّك أمي و إلحاحها الشديد جعلاها تتراجع و تعيد الصرة الي مكانها ببيت البنات و بعدها غرقت في تفكير عميق، لا أعرف ماذا جال بخاطرها لكنها بقيت على هذه الحالة طويلا حتى قطع تفكيرها قرع قويّ لباب الحوش فأمرت أمّي أختي بفتح الباب فأذا بها زينة جارتنا التي قدمت تسأل إن كانت إحدى دجاجاتها باضت بقنّ الدجاج التابع لنا لأنها و منذ مدّة لم تحصل و لو على بيضة منها حسب زعمها . كان أمي تعلم أن هذه الحكاية لا أساس لها من الصحّة ، لأن قدوم زينة كان مجرّد الفضول والإطلاع على أحوالنا و معرفة من تكون ضيفتنا ؟؟ سلمت زينة على أمي ثمّ اتجهت مباشرة نحو "ربـحْ" لتسلّم عليها بسلسلة من القبلات و كأنها صديقة سابقة أو أخت عادت بعد سفر طويل . دون مقدمات سألت زينة المرأة من تكونين ؟؟ ونظرت أمي للضيفة كي لا تروي كل شيء ، لكن المسكينة لم تفهم ما أرادته أمي منها ، وروت تقريبا كل تفاصيل علاقتها بنا و أنها ليست إلا ضيفة عابرة أتت لبيتنا لترتاح يوما أو يومين و تواصل سيرها. تزودت زينة بكل الأخبار التي تشبع فضولها و شربت كأس الشاي ثم خرجت متظاهرة بالبحث عن الدجاجة في بيت جيران آخرين. في جولة زينة للبحث عن بيضات الدجاجة ، قامت بما يلزم لإعلام أهل الدوّار بأخبار الضيفة الغريبة و سرّ تواجدها ببيتنا ، و هكذا بدأت الجارات الواحدة تلو الأخرى بافتعال أيّ شيء او أيّ سبب لزيارتنا و رؤية الضيفة و السلام عليها. لم تجد أمي الجرأة الكافية للتخلّص من شغب جاراتها لأن حياءها منعها من ذلك ، بينما لم تشعر "ربحْ " بأيّ حرج و لا ضيق بل كانت تجيب بكل أريحية على أسئلة الجارات المتكرّرة و البليدة في بعض الأحيان ، و على العكس ظهرت علامات القلق و التبرّم على وجه أمي لكن ما باليد حيلة فخيّرت الصبر و السكوت. بعد خروج الجارات ، بدأت أمّي في قضاء شؤون البيت و أعداد الفطور ، بينما أخدت "ربح" "منـْفضة " القمح بها صوف و مغزل و بدأت بغزل الصوف دون علم أمي التي علمت فيما بعد ان زينة تساعدها بغزل الصوف و إعداده للمنسج .
    بعد الظهيرة، عاد أبي من العمل ، تفقـّد الدواب ، و سال أن كنا أعطينا الماء و التين و العلف للجميع أم لا . ثم دخل بيته ، أين وجد فطوره جاهزا ، و براد الشاي و الصينية و النعنع و قبصال الماء ، قبل أن يبدأ فطوره ، سأل أمي : ما حال الضيفة ؟؟ هل أفطرت ؟ هل هي مرتاحة و هل ينقصها شيء ؟؟ ...روت له أمّي بكل التفاصيل المملّة و ما حدث منذ الصباح الى حين قدومه من العمل ، و عبّرت له عن قلقها من الزيارات المتكرّرة للجارات و أسئلتهم المقلقة و حيرتها في كيفية التصرّف معهم . لم يقل أي شيء في هذا الصدد ، و بدأ بالأكل دون تعليق على كلام أمي.
    كلأ شيء على أحسن ما يرام ، الضيفة تساعد أمّي في شؤون المنزل بما تسطيع و كلها نشاط و حركية، و كانت أمي تتركها تفعل ما تريد حتى لا تشعر بالضجر ، و كانت المرأة تنبسط كلما قضت شأنا من شؤون المنزل ، لأنها تشعر أنها فردا من هذه العائلة و ليست عبئا ثقيلا علينا .
    مرّ اليوم بأحداثه المتسارعة و كان يوما خفيفا و سعيدا رغم الفضول الزائد للجارات ، حتى أسدل الليل ستاره ، وبعد العشاء بدأنا بالسمر الجميل في بيت البنات بينما أنفرد أبي في البيت الكبير صحبة الرديون و برّاد التاي وعلبة السجائر، و في هذا الظلام الدامس سمعنا وقع طرق علي باب الحوش و كان طرقا عاليا و صوت ينادي : يا فلان يا فلان و كان يقصد أبي ، الذي نهض من مكانه على عجل و لبس بلوزته المشقوقة و وضع شاشيته ثمّ اللّـحفة البيـضاء وخرج مسرعا قائلا : من ..؟؟؟ من ..؟؟ بوبكر ؟؟ قال بوبكر : نعم
    أنا بوبكر ، الجماعة في بيت "الضياف" يترقبونك . أجابه أبي : ومن من الجماعة ؟؟ فردّ بوبكر : العمدة و سي مصطفي و فلان و فلان و..و..و...تقريبا كل رجال الدوّار زائد العمدة الذي هو أحد أبناء عمومة أبي ، لكن سي مصطفي ليس من العرش و الدوّار، إنه رئيس التعاضدية التي يعمل بها أبي و رئيس الشعبة الدستورية بالجهة و لصيق العمدة و واشي الحرس الوطني و رجل كل المهمات القذرة ... أستعوذ أبي من إبليس لما سمع به ضمن الجماعة فرجع للبيت ليلبس حذاءه و يأخذ علبة السجائر و لم ينسى أن يغلق الرديون و يتفقّد الساعة الجيبية ، ثم خرج و هو متقزّز ، و لا يتفاءل خيرا بلقاءهم خاصّة هذا مصطفي الذي كان أبي يسميه ب"القوّاد" و السّـفـيه . بدورها كانت أمي غير مرتاحة لهذه الدعوة الليلية العاجلة و هذا الإجتماع الطارئ ، تساءلت أمي لماذا في هذه الساعة ؟؟ و لماذا وجود العمدة و رئيس التعاضدية و الشّعبة في هذا الوقت ؟ ألا يحتمل الموضوع الإنتظار للغد ؟؟ هل يكون أبوكم في خصومة كالعادة مع مصطفي ؟؟؟ حرصت أمي على أن تتظاهر باللامبالاة و عدم الإهتمام أمام الضيفة حتى لا تكدّر صفوها
    ورغم علامات القلق فقد نجحت أمي في إخفاء عدم إرتياحها ، ثم ما لبثت أن نادتني سرّا و دون أن تسمع الضيفة و قالت لي: إسمع يا ولدي إذهب سرّا وأحرص على أن لا يراك أحد من الرجال الموجودين و أبقى بجانب النافذة و انظر ماذا يحدث ؟؟ فأن قلبي لا يقول خيرا ...هذا مصطفي جرّتو مشومة و كي ريحْ الصرّ باردْ وما فيه مطرْ.........و.....
    و" الله يستر و برّه" ، ثم أردفت : هل أستطيع التعويل عليك و كأنّك رجل أم لا ّّ؟؟ فقلت و قد شعرت بخدش أنا رجل و نصف يا أمي سوف ترين . تسللت خلسة مع " سطْرْ الهندي" ثم تسلقت حائطا و راء بيت " الضياف " و أقتربت من النافذة دون أن يشعر بي أحد و كان الظلام داحسا ثمّ كتمت أنفاسي و بدأت أسترق السمع ...
    يتبع..
    ملاحظة : سوف أفـْـرد مدوّنة خاصة برئيس التعاضدية و الشّعبة "مصطفي" لاحقا و بعد أنهاء قصة المرأة " ربح"..


    التعليقات
    6 التعليقات

    مدون بلوجر

    المشاركات الشائعة