• الرئيسية
  • قصة قصيرة
  • ادب عربى وعالمى
  • رجيم وصحة
  • سياسة الخصوصية
  • تواصل معنا
  • زواج كما أريد له - 6 -

    آه..لو رآني أبي أو أحد الحاضرين و أنا ألتقط السمع خفية بجانب النافذة ، لباتت ليلتي ليلاء ، و لكان عقابي شديدا . كانت الناقذة في الجانب الغربي لدار الضياف بينما كان الباب يفتح جنوبا و كان يحدث صريرا قويا كلما تحرّك عند الفتح أو الغلق و بالتالي كان منبهي الوحيد عند الخروج أو الدخول من طرف الحاضرين. نظرا لخوفي الشديد من افتضاح أمري و لقصر قامتي لم أستطع أن أرى من و كم يوجد في دار الضياف ، لكنني كنت أعرف تقريبا كل الأصوات ، فقد حضر تقريبا كل أهالي الدوّار و كان الحوار يدور بين أبي و العمدة أساسا و في كل مرّة يتدخل أحد الحاضرين. خضع أبي لسلسة من الأسئلة الإستنكارية حينا و التدقيقية مرّة أخري و كنت أفهم أن أبي يعيش في ورطة و يحاول الإجابة دون أن يقع في الإستفزاز المقصود من العمدة خاصة و أن أبي يعتبر العمدة من العرْش و يكبره سنّا ، و يجب الرد على أسئلته بمافيها من الإحراج ، حتى لا يتطوّر الوضع الى ما لا يسر أحدا خاصة في حضور مصطفي ر ئيس الشعبة و التعاضدية . سأل العمدة أبي : من تكون هذه المرأة التي بدارك ؟؟ أجاب أبي بهدوء : إنها إمرأة عابرة سبيل من جهة الرّوحية و أظنّ أنني أعرف أهلها منذ أن كنت تاجر مواشي ، لكن الزمان طال و نسيتهم . و ما اسمها قال العمدة ؟؟ أجاب أبي : ربح بنت فلان الفلاني و أخوها فلان الفلاني أما فهي إمرأة أرملة توفي زوجها ، و ضاقت بها الدنيا فهامت على وجهها بدون وجهة معينة ، فلما وجدتها منهكة و في حالة تعب شديد آويتها بين عائلتي حتى أرى أمرها فلعل أهلها آتون للبحث عنها فينفرج كربها و تعود إليهم....و بينما أبي يشرح وجهة نظره ، قال العمدة : من قال أنها ليست على أتفاق مع لصوص المواشي لتكشف طريقهم إلينا و تسهل عليهم مهمّة السّرقة ، و أنّ كل كلامها باطل و كذب ؟؟؟؟ و هنا تعالى الكلام بين مؤيّد و مشككك و معترض ، و قد بدأ أبي يفقد توازنه و أعصابه و بدأت تظهر علامات التوتر من خلال حديثه عندما أجاب بغضب : وهل نزل عليك الوحي يا عمدة حتى عرفت أنها غير صادقة و أنها متآمرة مع اللّصوص ؟؟؟ إنها إمرأة " زوّالية" أقرب منها الي البهلول و منذ أن جاءت لم تخرج من باب الحوش ، فلو كانت كما قلت لكانت تخرج على الأقل خلسة " لتقييد الأحوالّ" و التخطيط و رصد الأمور، ثم هل تظنّ أنني نائم على أذنيّ حتى أقع في فخ اللصوص أو في فخّ إمرأة مثلها..اتق الله يا عمدة ألم يعد في هذة الدنيا خيرا و من يفعل الخير ؟؟؟ عاد الصخب من جديد و تعالت الأصوات وهنا غاب عنّي من يناقش من ؟ ومن مع رأي العمدة و من مع رأي أبي ....
    و بعدها نطق مصطفى قائلا: وهل الحرس و الحاكم على علم بهذه المرأة و بحكايتها ؟؟ أجاب أبي : و من سيعلمهم ؟؟؟ هذه مهمّتك أنت ، من تريد أن يفتكها منك ؟؟ غضب مصطفي من ردّ أبي ثم قال : أتسمع يا عمدة ماذا يقول إبن عمّك ؟؟ إنه يسخر مني ومن مهمتي "يحب الماء يتْسيّب ع البطيخ" . كان العمدة يتحاشى غضب مصطفى لأنه يعرف مدى خطورته و علاقاته برئيس الحرس و بالسلط المحلية و حتى المعتمد و قدرته على خلق الأحابيل و الأكاذيب و التقوّل على الناس ، فكان يجاريه ، و يتجنب مناوشته ، حتى لا يناصبه العداوة و يضمر له الشرّ. قال العمدة لأبي : أيمكن أن نرى هذه المرأة ؟؟ ردّ : أبدا لا لا لا..هي ضيفتي و أنا المسؤول عنها ، ثم ماذا يقول عنّي الناس ، و ماذا يقول كذلك عن عرشـنا الناس ؟؟ هل نحن قرابة العشرين رجلا يأتينا مصطفي و يزرع فينا الخوف و الشكّ فنخاف إمرأة لا حول لها و لا قوّة ...الله الله يا عمدة مازالت الأذن تسمع مثل هذا ؟؟؟ رجع التشنّج من جديد ، فسأل مصطفي أبي : من قال أنّها ليست المرأة التي قتلت زوجها و ضرّتها بجهة مكثر ؟؟؟ إن الحاكم يبحث عن إمرأة مجرمة قاتلة فعلت فعلتها منذ أسبوع و هربت و لم يعثر لها على أثر، أنت تقول أنها من الرّوحية ، فمن قال أنها ليست من مكثر؟؟؟ تحمّل مسؤوليتك يا عمدة. لم يبقى لأبي أن ينهي هذا الإستجواب لصالحه إلاّ أن يسكت مصطفي و لو بالقوة لأنه يواصل دسائسه و العمدة يسايره خوفا من وشايته للسلط و يظهر أن أبي أراد التحوّل من الدفاع عن موقفه للهجوم ، فقال أبي لمصطفى : بالطلاق ، لو لم يكن العمدة حاضرا ولو لم تكن ضيفه لشددت وثاقك هذه الليلة و كسرت عظامك، يا طحّان، كم من مرّة أنذرتك ، أن تبتعد عن طريقنا و تترك سبيلنا و لم تتعض...بالطلاق لو أعدتها مرّة أخرى لكسرت رقبتك..و تعالى الصياح و أظنه تحول الى تشابك او الى ما يشبه ذلك. كان علي أن أنسحب فورا خوفا من إفتضاح أمري ، فهرولت مسرعا نحو بيتنا و أنا أرتعش خوفا ....
    لما دخلت الدّار اعترضتني أمي و نادتني جانبا ، فرويت لها ما سمعت ، و أن المرأة قد تكون حسب زعم العمدة إحدى المتآمرات مع لصوص المواشي أو أنها المرأة التي قتلت زوجها و ضرّتــها بجهة مكثر حسب زعم مصطفي و ان الأمر تحول في النهاية الى تشابك و عراك و أنني لا أدري كيف ستنتهي الأمور . لما سمعت أمي حكاية التآمر مع اللصوص و حكاية المرأة القاتلة مسكت بطنها و بدأت في ندب خفيف لخدّها و هي تقول فيما يشبه التمتمة : زعْمه ..زعْمه ...يا وليدي...ثم دخلت بيت البنات مسرعة ، و بقيت تتأمل وجه المرأة من جديد و كأنها رأتها لأوّل مرّة ، بينما لم تنتبه المرأة لأيّ شيء أو لأيّ ريبة من طرف أمــّي....
    بعد نصف ساعة تقريبا عاد أبي ، و كانت علامات الغضب بادية عليه ، لكنها ليست بالحالة التي تركتها عليه في دار "الضياف" . سألته أمي : لباسْ ..لباسْ ، ماذا جرى ؟ لماذا ناداك بوبكر ؟؟ هل هناك أمر خطير ؟؟ أرادت أمي أن تتثبّت من الأمر و تتأكّد من كلامي ، و كأنها شكّت في صدقي أو حتّى في ذهابي لبيت "الضياف" فردّ أبي عليها : لا شيء ...لا شيء ....ألم تناموا بعد ؟؟ كيف بقيتهم لساعة متأخرة من الليل ؟؟ كادت أمي أن تفضح الأمر بارتباكها و بطلبها من أبي بأن تقضي الليل في بيت البنات مع الضيفة و أخواتي، لكن أبي نهرها و قال لها : إذهبي إلى بيتك و نامي ، متى ستقومين في الصباح ؟؟ و قبل أن تذهب أمّي للنوم سألها أبي : أين صندوق الخراطيش ؟؟؟ فردّت أمي أنه وراء الصندوق الكبير على " السدّة" فأشار إليها برأسه و قال لها إذهبي و نامي ، بينما أخذ خرقة من القماش و نزع البندقية من المسمار الحائطي و بدأ بمسحها و تفقّدها و كأنه يهيئ نفسه لأمر خطير ....
    يتبع...

    التعليقات
    3 التعليقات

    مدون بلوجر

    المشاركات الشائعة