• الرئيسية
  • قصة قصيرة
  • ادب عربى وعالمى
  • رجيم وصحة
  • سياسة الخصوصية
  • تواصل معنا
  • زواج كما أريد له -10-

    نظر مصطفي من النافذة فرأى جميع العمال في الطريق إليه، و كان في عادتهم القدوم هكذا ، يوم استخلاص الأجور أو تقاسم فوائض الإنتاج للضيعة ، ففهم أن الأمر لا يتعلق بهذا او ذاك ، بل بمشكلة أخرى، عند دخول العمال مكتب مصطفي ، تظاهر مصطفي بالإنشعال بالحسابات و مراجعة مصاريف الضيعة و مدخولها و الفوائض، بما يوهم العمال أن مصطفي لا تفوته شارة أو واردة ، و ان حرصه على حسن تسيير الضيعة لا شك فيه. دخل أبي أوّلا و تبعه العمال ثانية ، و قد توحّدوا في الرأي ، و كان العمال يثقون في والدي ، لعلمعم بعلاقاته المتوتّرة بمصطفي ثمّ وهو الأهمّ بالنسبة إليهم لعلاقة القرابة العائلية التي تربط والدي بالعمدة ، بحيث أن جانبا من السلط المحلية ، كالعمدة مثلا سيكون في جانبهم لو تعلّق الأمر بمشكلة مّا. قال أبي لمصطفي: أيمكن لنا أن نعرف من هو هذا المسؤول الكبير الذي سيزور الضيعة يوم زواج حامد ؟ أجاب مصطفى بكل تحدّ: و لماذا تريد أن تعرف من هو المسؤول الذي سوف يزورنا ؟؟ أجاب أبي كردّ على التحدّي : حتى نحضر طبّالا و زكّارا فالمناسبة تستدعي الحفاوة به ، أم أنت ضدّ هذا ؟؟ ردّ مصطفي : هذا الإستقبال و الحفاوة من شأني أنا و شأن السيد المعتمد أما أنتم فمهمتكم تنتهي بأداء عملكم بكل إخلاص و جدّ. قال أبي : تريد أن تقول أن العمدة لا دخل له في هذا الإستقبال و أنه لا يساوي شيئا أمامك. كان أبي يريد أن يوقع بمصطفى حتى يضمن المساندة المطلقة للعمدة كخطوة أولى ثم يرى ماذا سيحدث فيما بعد. تعالت أصوات العمال و زادت نقمة حامد على مصطفي ، فقد أحسّ انه يفسد عليه شيئا قد يكون عرسه. عاد أبي للسؤال : هل العمدة على علم بهذا الضيف ؟؟ أجاب مصطفى : لا..لا.. هذه أمور لا يعلمها إلا أنا والسيد المعتمد . ردّ أبي بكل تهكم : ألا يكون ضيفك أحمد بن صالح * أو قاضي فاس ؟؟ إسمع الليلة البارحة تسامرنا في بيت العمدة و لا أظن أن ضيفا ياتينا و العمدة على غير علم ، لكن سوف أزوره هذا المساء وسأرى حقيقة الأمر ، لكن ليكن في علمك يا مصطفي أن زواج حامد سيتمّ كما اتفقنا عليه حتى و إن كان الزائر "بورقيبة " في حدّ ذاته . تعالت الجلبة بين العمال و أيّدوا ما جاء على لسان أبي وأعلموه أن حضورهم لزواج حامد لا تراجع فيه و أنهم سوف يتحصلون على عطلة بالمناسبة ولو هبط عزرائيل من السماء . بقي مصطفى مشدوها ثم بدأ مضطربا و شعر أنه لا يتحكّم في الوضع ، و فهم أبي من تلعثمه أنه كاذب فيما يقول ، خاصة لما علم أن أبي سيتحدّث في الأمر مع العمدة للتثبّت من الخبر. هنا أنقلب مصطفي بمائة و ثمانين درجة و عرف أن أمره سينكشف، وقال وهو متوجها بالحديث للعمّال: ألم تستطيعوا التفريق بين المزاح و الجدّ ؟؟ أنا أمزح و أمتحنكم لأرى مدى حبّكم لحامد و مدى صدق محبتكم لبعضكم ، هذا ما أريده منكم ، أن تكونوا أصدقاء و مخلصين لبعضكم هو أهمّ شيء بالنسبة لي، إسمعوا سوف تحضرون عرس حامد و سوف تتحصلون على ثلاثة أيّام ، لأنّ حامد يستاهل أكثر من يومين عطلة فهو عامل مجدّ و مستقيم ، و أنا شخصيا سأكون أوّل الحاضرين ، و سيكون الخروف الأول المذبوح يوم الزفاف من خرفان الضيعة ، نعم فما جدوى العمل في الضيعة اذا لم يتحصل حامد على هدية مثل هذه على الأقل. بقي العمّال مشدوهين للأنقلاب المفاجىء لمصطفي و لكرمه الحاتمي الغير منتظر ، وردّ حامد : شكرا لك سي مصطفي ، سأكون ممنونا لو حضرت عرسي كما أعتقد أننا لسنا في حاجة لثلاثة أيام كعطلة ، يكفي يومان فقط ... صاح العمّال : يومان فقط كافيان ، يومان فقط كافيان ، وهنا أشار أبي على العمال بالخروج من مكتب مصطفي و الرجوع للعمل ، و في الطريق قال أبي : يظنّ مصطفي أننا مغفّلون ، لا أبدا لسنا كذلك لكنه عرف أن أمره سيفتضح من طــرف العمدة لذلك أعاد تعديل عقارب ساعته و تظاهر بالمزاح حتى يتجنّب ما هو أشدّ. فردّ عامل آخر : لما رأى تصميمنا على حضور العرس و اتحادنا في هذا الموقف عرف أنه سيخسر معركته معنا فتراجع و تظاهر بالطيبة ، لكن عليكم أن تستعدوا لرد فعل عنيف منه حتى يثأر لهزيمته أمامنا. إلتفت أبي و قال لحامد إذا اردت إستدعاء مصطفى لعرسك فليكن ذلك في بيتك أما بيتي أنا فلن يدخلها الى أن يموت ، هه ، تقول له " سى " الله يسود وجهك و وجهه ، أتظنّ أنه يحبك فعلا ؟؟ لو كان كذلك لما أفسد علينا فرحتنا و جلستنا و مزاحنا باختلاقه زيارة المسؤول.
    أعلم أبي أمي بموعد الزواج حتى تخبر بدورها "ربح" و طلب منها الأستعداد المطلق للمناسبة يهم البيت من مقتنيات و ما تستحقّه يوم الحفل ، و أشار عليها بإحضار و إعداد ما يكفي من الكسكسي أما فيما يخصّ اللّحم فأن أبي قررّ ذبح خروف من خرفان شياهنا و ان تتطلّب الأمر سيذبح آخر ، لكنه لم يحص المدعوين حتى يستقر نهائيا على رأي . أسرعت أمي لإخبار ربح فأبتسمت ربح و قالت : ربّي يتمم الأمر على خير فردّت أمي : كله خير إن شاء الله .
    قبل يومين من موعد الزواج ، كان علينا استدعاء الجيران و إشعال النّجمة و يتم إشعال النجمة بجمع كوم من التبن و وضعه في مكان يراه الجميع ثم يتم إشعال النارفي كوم التبن و يجتمع الأطفال و النساء حول النّار و تبدأ أمي بالزغاريد فيما تتكفل أمرأة بالغناء و الصلاة على النبي و هو إعلان بدء الحفل العائلي الصغير و إعداد العروسة للزواج ، بينما يجتمع الرجال في دار الضياف لشرب الشاي و لعب الورق و حتى الغناء أذا راقت الجلسة ...
    عشية السوق الأسبوعية وهو يوم الإربعاء ، بدأ الضيوف يتقاطرون على المنزل أفردا و جماعات للعشاء و حضور كتابة الصداق بحضور "سي عمر" العدل الذي يعمل في هذه المهنة منذ ما يزيد عن خمسين سنة و قد تسلم مهنة عدل الإشهاد من أبيه الذي كان بدوره عدلا و ها هو جاوز الثمانين من العمر و لم يكلّ و لم يتعب . قدم "العدل " أخير مرتعشا و متوكئا على عكّازه يسنده إبنه و صهره و جلس في وسط بيت الوالد ووضع أبي "الفنار" ليضيء المكان أمامه و فتح " العدل" دفترا كبيرا و استعد لكتابة الصداق و هنا اجتمع الرجال حوله بما فيهم حامد و ساد صمت رهيب...
    ...
    يتبع
    التعليقات
    5 التعليقات

    مدون بلوجر

    المشاركات الشائعة