• الرئيسية
  • قصة قصيرة
  • ادب عربى وعالمى
  • رجيم وصحة
  • سياسة الخصوصية
  • تواصل معنا
  • زواج كما أريد له -11-

    أخذ عمر "العدل" ريشته و فتح قارورة "السـّمق" وهو حبر يستخرج تقليديا بتركيبة خاصة لا يعرفها الجميع و يكون ذو لون بنّي داكن ، و وضع الريشة في المحبرة و بدا بالبسملة و في كتابة صداق الزواج ، بينما أمسك أبنه ب"الفنار" يقريه للعدل كلما أنعدمت رؤيته ، ولم أفهم لماذا لم يترك إبنه أو صهره يقوم بالكتابة عوضه خاصة وأنّ نظره قلّ وأصبح لا يرى الحروف ألا بعد تدقيق كبير و كان خطّه مغربيا بما تعنيه أصول الخطّ المغربي ، تعريق لحرف "الرّاء" و " الزيْ" و "الواو" و تنقيط تحت حرف "الفاء" و نقطة وحيدة فوق حرف "القافْ" . كانت فترة كتب الصداق تأخذ وقتها حيث حضر أبي كوليّ ل"ربح" و عامل من الضيعة و أدليا بما يفيد ذلك و أدلى حامد بما يفيد بهويته و صرّح برغبته في الزواج كما يقتضي العرف كما صرّح أبي بالموافقة ، وكان لا بد أن يحمل أخي الكبير الدفتر لبيت النساء المجتمعات حول ربح لإمضائه و إعلان موافقتها ، لكن ربح كانت غير قادرة على القراءة أو الكتابة ، فكان على أخي أن أمسك بيد ربح و وضع القلم الجافّ بين أصابعها وكتب ر-ب-ح وعند إتمامها ذلك تعالت الزغاريد و إعلان على القبول بالزواج . قرأ العدل الفاتحة و هنّأ حامد كما هنّأه جميع الحاضرين ، وقام حامد من مكانه و قبّل أبي من رأسه و شكره و كان رد أبي بإيماءة تفيد رضاه و مباركته للزواج . بعدها وضع العشاء للجميع و بينما كانت تقطع حديثهم بين الحين و الأخر زغاريد النساء و بعض الغناء النسائي الجميل وسط تعالي رائحة البخور و الوجق و الدّاد ...
    في الغد الذي كان يوافق يوم الخميس و قبل الغروب ، كانت الأمور جاهزه لإنتقال ربح لبيتها الزوجي ، أحضر أبي "الكاليس" و طرح فوق الكرسيّ منسوجا جديدا و "كليم" وهو فراش صوفي مزركش بكل الألوان و الخطوط و الأشكال الهندسية الأخرى، ودخل لوسط الحوش و نادى : لنتوكّل على الله، هيّا ...زغردت أمي وبعض الجارات و ترقرقت دمعتان من عينيّ ربح و اختلطت إبتسامتها بدموعها و هي تنظر لأركان بيت البنات و تعانقهنّ بلهفة و كأنها لن تراهنّ بعد اليوم . مسحت أمي دموع ربح و كانت تبكي بدورها كما بكت بعض الجارات على فراقها . وقع لفّ ربح بلحاف أحمر قاني حتى لا ترى منها شيئا سوى أسفل قدميها ، ثم أركبها أبي على الكاليس بينما جلست أمي بجانبها الأيسر و أبي بجانبها الأيمن و انطلقنا و نحن نسير القدمين بجانب و خلف ّالكاليس" . في الحقيقة لم يرافق ربح إلا عائلتنا أو بعض الرجال من الدوّار أما بقية النساء من الجارات فقد بقين لأنه لم يؤذن لهنّ بالمرافقة من طرف أزواجهنّ كما أن أبي أبي لم يلح على أزوجهنّ بذلك. سرنا مسافة رنصف ساعة سيرا على الأقدام إلى أن وصلنا للدوّار الذي يسكن فيه حامد وأهله. إعترضنا أهل حامد على بعد مسافة مائة متر تقريبا من مسكنه ، ورحبوا بقدومنا وأختلطت الزغاريد بالغناء و رقص الأطفال ، و عند وصولنا لباب بيت حامد ، رأى أبي جمعا من الرجال يتوسطهم مصطفي رئيس التعاضدية ، فاوقف أبي "الكاليس" متمتما ثم نادى بأعلى صوته وهو ينظر لمصطفى :" أتركوا طريق النساء ، إفتحوا الطريق " فتراجع الرجال الى الوراء بينما بقي مصطفى متسمّرا في مكانه و هو يراقب الكاليس و يتطلُع لرؤية من فيه ، و هنا صاح بغضب واضح : أترك الطريق ..أترك الطريق ألا تسمع ؟؟؟...ثم دفعه بيده حتى كاد يسقطه أرضا و أدار الحصان الذي يجرّ الكاليس بما لا يمكّن مصطفى من رؤية أيّ من النساء و أخذ ربح من يدها وانزلها من على الكاليس ثم بعدها أمّي و أدخلهما بيت حامد . عندما خرج أبي لربط الحصان لجذع شجرة الكالاتوس المقابلة لبيت حامد ثم الإلتحاق بموكب الرجال تسلّلت بين الحضور و تمكنت من رؤية ربح وهي داخل بيتها و كانت أمي تنزع حجابها و وتصلّى على النبيّ و تزغرد . نظرت ربح لأركان بيتها الجديد و كانت علامات الرضى باية من عينيها فقد بدأ البيت رحبا وحسن التنظيم و يفتح للشرق بما يجعله دافئا في الشتاء و مقبول الحرارة في الصيف ، بعد راحة قليلة قدمت أمي لربح النساء الحاضرات واحدة بواحدة ، هذه فلانة جارتك الجديدة و زوجة فلان و لها من الأبناء كذا وكذا وهذه سلفتك فلانة زوجة فلان أخو حامد الأصغر و..و..و... حتى أتمت التقديم الذي سوف يجعلها ترتاح الى جاراتها و عائلة حامد بما يسهّل عيشها وسطهم. بعد قرابة الساعتين أمرت أمّي الحاضرات من النساء بالخروج حتى ننفرد تنفرد بربح لإعطاءها التعليمات الأخيرة فلما خرجن من البيت ، و بقينا معها وحدنا قالت لها أمي : اسمعي هؤولاء أناس طيبون لكن أنصحك بالتقليل من الحديث مع فلانة التي تلبس الرداء الأزرق
    فهي صعبة المعاشرة و تتدخّل فيما لا يعنيها و تتقوّل على الناس و تقطع أعراضهم ، فاحرصي كل الحرص علة التقليل من الحديث إليها، أما فلانة الأخرى فهي طيبة وبنت حلال فتعاملي معها بكل صدر مفتوح ، و على العموم لا تكثري من مخالطة النساء حتّى تتعرّفي عليهم جيدا.
    ردّت ربح بقولها: سوق أحرص تنفيذ ما طلبته مني فأنت أدرى بهم منّي لكن يجب عليكم زيارتي من حين لأخر فأنا أحتاجكم بجانبي. قالت أمي : الزيارات لا أعتقد أن "سيدك فلان" يسمح بها فهو لا يجب هذا لكن بيننا الأولاد سيأتونك للزيارة و الإطلاع على حالتك وتستطيعين أن توصي معهم بما تشائين.
    جلس الرجال في الحوش المجانب لبيت حامد يتسامرون و مبتهجون للزواج السعيد ، بينما ظهر حامد حليق الذقن و منشرحا وحسن الهندام كما يجب أن يكون كل رجل مقبل على الزواج يدخّن سيجارته من حين لأخر وهو ينتظر عروسته على أحر من الجمر ، في نهاية السهرة قام أبي من مكانه و نظر الى الجميع قائلا: "بارك الله فيكم و الله يدوم علينا الأفراح " كإعلان على نهاية العرس ثم اتجه نحو الكاليس و قال لي: يا طفل ، نادي امك لنعود . ذهبت مسرعا لتنفيذ ما طلب منّي فنهضت أمّي و أخواتي للعودة و خرجنا بعد سلّمنا على ربح بحرارة و بكل ودّ.
    في الطريق سأل أبي أمي : هل كانت مرتاحة في بيتها الجديد ؟ وهو يقصد "ربح" ، أجابت أمي : أظنّ ذلك لقد قمت بما يجب و الأكيد انها ستنفّذ ما طلبت منها فهي إمرأة مطيعة فمدّة الفترة التي قضتها عندنا أي ما يقارب الشهرين لم تخرج من الحوش كما طلبت منها ...ردّ أبي : لقد قالوا أنها قاتلة أو متواطئة مع لصوص المواشي ؟؟ كم هم على استعداد لظلم الناس ؟ سالته أمي : ومن ذاك الرجل الذي دفعته بيديك أمام باب حامد ؟؟ رد ّ: ذاك مصطفى جاء "لتقييد الأحوال" ورفع تقرير مفصل حول العرس في "كلّ محضرْ يحضرْ" له قدرات عجيبة في "النسْنسة" و تلقـّف الأخبار...

    .يتبع......
    التعليقات
    3 التعليقات

    مدون بلوجر

    المشاركات الشائعة