• الرئيسية
  • قصة قصيرة
  • ادب عربى وعالمى
  • رجيم وصحة
  • سياسة الخصوصية
  • تواصل معنا
  • زواج كما أريد له-18-

    في الحقيقة لم تكن "ربح" حبلى و لم تتغيّر حياتها الصعبة مع حامد خاصّة لما شعر حامد أن موقع العمل الذي يشغله منذ عشرات السنين مهدّد و أن البطالة مصيره وهو الرجل المحب لعمله و الكاره للبطالة، فالتعاضدية و مشروع التعاضد بدأت مظاهر نهايته تظهر للعيان ، فقد شجّع كبار الفلاحين العمّال على تخريب مشروع التعاضد ومشروع الإشتراكية البنصالحية و قد عمّ الهلع صغار الفلاحين الذين تحمّلوا عملية تفقير ممنهجة من طرف الوزير الأوّل السّابق أحمد بن صالح و من ورائه الرئيس الحبيب بورقيبة فكان الفلاحون الفقراء يبيعون مواشيهم بأبخس الأثمان خوفا من الحاقها عنوة بالأملاك العمومية و الضيعات الفلاحية على أساس جمع صغار الفلاحين في ضيعات مثالية . بدأت مظاهر الفساد في تسيير الضيعات بادية للعيان و هذا ما دعّم مرحلة الشكّ و الفشل وهو ما استغله كبار ملاّك الأرض لتشجيع سوء الإدارة و التسيير الشيء الذي يعجّل بنهاية فترة التعاضد و يحميهم من تأميم أراضيهم و إلحاقهم هم كذلك عنوة بالتعاضد . بدأ رؤساء التعاضديات بالتصرّف الأرعن في الأملاك العمومية و السرقة و التدليس و تغيير الموازنات المالية للتعاضديات الفلاحية حتى يغطوا سرقاتهم و استلائهم على المال العام . ونتيجة لهذه الفوضى في التسيير و هذه الإشتراكية التي طالما تباهى بها بورقيبة و سمّــاها الإشتراكية البورقيبية باع جلّ الناس مواشيهم بعشر ثمنها الحقيقي لأناس يأتون بشاحناتهم من الجهات الساحلية لإشتراء تلك المواشي . و كان أبي يتعجّب للأمر، كيف يبيع الناس مواشيهم بثمن شبه مجاني و لماذا يشتري هؤولاء الغرباء دون خوف من التأميم و الإشتراكية البورقيبية /البنصالحية ؟؟ كان لهذه تساؤلات مكانها فقد قرّر أبي أن لا يبيع أيـّا من مواشيه و خيّر أن تلحق مواشينا بالتعاضد على أن يبيعها بذلك الثمن البخس .
    بعد أشهر سقطت الإشتراكية البورقيبية و أعلن عن إيقاف و سجن أحمد بن صالح و متابعته لأجل سياسته التي أدّت للخراب و كالعادة خرج بورقيبة من المأزق "كالشعرة من العجين " و حمّل بن صالح كل نتائج الفشل و كأنه ليس على علم بما حدث و عيّن مكانه الوزير الأول الباهي الأدغم. بدأت مظاهر الفقر تستفحل بين الناس و هذا ما دفع الكثير الى النزوح للعاصمة فبدأت ظاهرة النزوح و تغـيّر الخارطة السكّانية الريفية حيث دبّ اليأس في الفلاحين الفقراء و قد فقدوا كلّ مواشيهم السبب الأوّل لرزقهم سابقا وخاصّة لما رأوا بأم أعينهم مواشيهم تعود لأسواق الماشية على نفس الشاحنات التي أخذتها منذ أشهر و تباع و لكن بأسعار خيالية لا يقدر عليها إلاّ الميسورين و الفلاحين الكبارورؤساء التعاضديات السّابقين. وبات ظاهرا لكلّ عين أن هؤولاء من سكان الساحل التونسي و كانوا علم بقرب نهاية التعاضد و سقوط الإشتراكية فاستغلوا المعلومة "الثمينة" لخلق ثروات ممّا باعه الناس بأبخس الأثمان فزاد هذا في حنق الناس على الوضع السائد فمنهم من قرّر النّزوج الى العاصمة و المدن الساحلية و منهم قرّر الهجرة الى ليبيا حتى سيرا على الأقدام و منهم من بقي بها ومنهم من جمع شيئا من المال ثمّ عاد ليلتحق بأروبا و خاصّة فرنسا و قد كانت الهجرة ميسّرة .
    رغم ما صار فقد حافظ حامد على موقع عمله لأنه وقع الإحتفاظ بالضيعات الفلاحية لتدير الأراضي الحكومية المملوكة سابقا من طرف المستعمرين الفرنسيين و غيرهم. لكن أبي خيّر الرجوع لتجارة المواشي خاصة و أنه إستفاد من عدم بيع مواشيه و ساعده هذا على الدخول للسوق برأس مال محترم نسبيا و ظهر أن تمسكه بمواشيه و عدم بيعها حتى و إن ألحقت بالضيعات في وقت ما كان رأيا سديدا .
    أصبحت زياراتي لربح قليلة لكني كنت المتصرّف الوحيد في بيع محاصيل الدواجن سواء لأمي أو لربح بل وأصبحت شبه شريك و لي من الأموال ما يجعلني أشتري ما أريد ، كرة ، كجّات ، خذروف، ساعة يدوية بل وخراطيش صيد لأنّ همّي الوحيد هو تعلّم الصيد و إطلاق النار من البندقية و صيد أيّ شيء ،عصفور، حمامة أو أرنبا .. فجأة و في يوم من الأيّام أتي حامد على غير عادته مع الرابعة بعد الظهر أو يزيد بقليل و نادى أبي دون أن يدخل الحوش و تحادثا برهة من الزمن ثم رجع أبي للمنزل و عليه علامات الحيرة و سأل أمي : هل أتت ربح هذا الصباح الى هنا ؟؟
    ردّت أمي : أبدا ...أبدا لا ماذا جرى بالله قل ماذا جرى ؟؟ قال أبي : رجع حامد لمنزله فلم يجد ربح لقد قضّى ليلة البارحة في الضيعة و لم يعد لمنزله إلاّ بعد الظهيرة فلما دخل بيته لم يجدها . قالت أمي : هل كان في خصام معها حتى يبيت في الضيعة ؟؟ قال أبي : حسب كلامه لم يكونا في خصام ...ثم رجع أبي لحامد على عجل و قد لحقت به حتى أرى و أسمع بينما بينما بقيت أمّي و إخوتي و أخواتي بباب الحوش و قد علتهم الحيرة و الخوف على ربح، فلما وصل أبي لحامد أعلمه أن ربح لم تأتي و أعاد السؤال : ألم تكن في خصام معها ؟؟ فأقسم حامد أنه لم يضربها و لم يكن في خصام معها . سأله أبي : إذا لماذا قضّيت ليلتك بالضيعة و ليس بالمنزل ؟؟ فقال حامد لقد إعتدت كلما ضاقت بي الدنيا أن أقضّي الليل بالضيعة حتّى أجنب نفسي شرّ خصام ربح ففي هذه الحالات أكون دائما على أعصابي و كانت ربح لا ترتاح لرؤيتي هكذا ... برك حامد على الأرض كالجمل بينما تاه أبي بين أسئلة و أجوبة حامد . فجأة قال أبي : ألا تكون سقطت في البئر أو هي مغميّا عليها في أحد الأماكن ؟؟ هيّا... قـمْ لنرى البئر و أحواز المنزل من يدري ؟؟ سرنا ثلاثتنا نحو منزل حامد و كنت أبحث في الطريق ذهابا و إيّابا لعلّني أجد ربح مغميّا عليها و كان أملي كبير في أن أجدها أنا قبل الآخرين فكنت أنادي بأعلى صوتي يا ربحْ يا ربحْ... لكن لا مجيب ، و عندما وصلنا لغابة "الهندي" فتشناها مترا مترا فلم نعثر على شيء فأتجهنا مباشرة نحو البئر و كنت أتمنّى أن لا أجدها فيه فوجودها في البئر كل هذا الوقت يعني أنها ماتت، نعم يعني أنها ماتت ، كانت البئر غير عميقة لأنّ المائدة المائية قريبة من سطح الأرض و كانت مبنية بالحجارة و كان البناء الحجري يعلو سطح الأرض بمتر تقريبا و وقع تجهيزه بسلّم حديدي يصل قاع البئر بفمه و سطح الأرض و كان السلّم الحديدي يستعمل لتطهير البئر كل سنة في فصل الصيف حتى يبقى ماءه صالحا للشراب . لما وصلنا البئر ارتعشت قدماي خوفا على ربح فتسلّقت حائط البئر الذي أفوته بقامتي ما يقارب الأربعين صنتيمترا لكن أبي صاح بوجهي و أمرني بالنزول و الإبتعاد لخوفه من سقوطي بالبئر أو لخوفه من الصدمة لو قدّر لى أن أرى "ربح" بقاع البئر فتراجعت للوراء خوفا من أبي بينما ربط أبي حامد بحبل من حزامه ثم ربط طرف الآخر بالسلّم الحديدي ثم قال : اللهمّ لا ترنا مكروها ،هيا أنزل يا حامد بعد أن همس له بكلام لم أسمعه فـتهـيّأ حامد للنزول بينما بقيت شاخصا في مكاني...
    يتبع....
    التعليقات
    4 التعليقات

    مدون بلوجر

    المشاركات الشائعة