• الرئيسية
  • قصة قصيرة
  • ادب عربى وعالمى
  • رجيم وصحة
  • سياسة الخصوصية
  • تواصل معنا
  • زواج كما أريد له - 9 -

    لم تكن المهمّة سهلة إطلاقا ، فقد دامت حصّة التفاوض مع " ربح " ما يقارب الساعتين ، و بما أنني لم أحضر النقاش ، و مع طول الوقت ، إعتقدت أن أمي تواجه صعوبات في استبطان رأي ربح و رغبتها في زواج ثان مع رجل لا تعرفه و لا يعرفها ، و مع مرور الوقت كان أبي يدخّن السيجارة تلو الأخرى ، ثم يتنحح و كأنه يذكر أمي بأنه لا زال في انتظار الردّ على أحرّ من الجمر. بعد ساعتين تقريبا خرجت أمي من بيت البنات متجهة مباشرة الى أبي ، وبعد أن جلست و شربت كوب ماء ، و كأنّ العطش أخذ منها مأخذه بعد هذا التفاوض. نظرت أمي لأبي في عينيه قائلة : إسمع لا تظن أن الأمور كانت سهلة كما كنت تعتقد ، فقد كان عليّ واجب إقناعها ، و قد رفضت الزواج في بادئ الأمر رفضا قاطعا ، لكنني زيّنت لها الزواج من حامد باعتبار أنه رجل عاقل و لم يتزوج قط ، ثم زينت لها الإنجاب و الأطفال لعل الله يرزقها من يعوّضها ما فاتها ، وفي آخر الأمر لانت و رضيت بهذا الزواج . لقد قالت انا أمانة في رقبة "سيدي فلان" و كانت تقصد أبي ، و كانت أول مرّة تسمي أبي ب"سيدي " و هي تسْمية تقولها كل إمرأة لأخيها الأكبر ، الذي هو وليّ أمرها و صاحب الأمر و النهي فيما يخصّ حياتها و مصيرها المستقبلي، سأفعل ما يراه صالحا لي و لحياتي هكذا بقيت تردّد ربح هذا الكلام على مسامع أمّي، حتى تكون الأمور واضحة لأبي ، و حتى يقوم بمهامه كولي ل"ربح".
    ابتسم أبي و انشرحت أساريره ، لسماع موافقتها ، و قد كان وعد حامد بالعمل على إتمام هذا الزواج . الحمد لله قال أبي ، سوف أحهزها لحياتها الجديدة كإحدى بناتي و أكثر ، لقد كتب الله لهذه المراة الزواج مرة أخرى على يدي ، لقد كنت على يقين انه باستطاعتي فعل شيء مّــا لهذة "الولية "، لذلك قرّرت أن تعود معي للمنزل يوم أن قابلتها هائمة على وجهها، كان كل شيء يدعوني أن لا أتركها هكذا وحيدة ، ثم من قال كذلك أن حامد بعد كل هذه السنين و بعد أن انتظر ما يقارب الثلاين سنة في انتظار المعمّر الإيطالي أو في انتظار حتى رسالة منه ، يكتب له الزواج كذلك على يديّ ؟؟؟ يال المصادفة الغريبة و السعيدة ، حامد وربح زوجان؟؟؟ ....نهضت أمي بعد أن شعرت برضا أبي عليها ، وأنها مهمتها كللت بالنجاح ، و ان وجودها و مهامها تدلان انها عنصر فاعل و ذو جدوى ، و ان أبي لا يستطيع فعل كلّ شيء وحده، بعدها وضعت امي برّاد الشاي على الكانون و نظرت الي قائلة : القمح يدور و يدور ويرجع لقلب الرّحى ...و هي تقصد أبي الذي سيحتاحها كل ما ضاقت عليه السبل و الحيلة، سوف يحتاجني أبوكم أكثر ، هكذا ردّدت أمي و هي منتفخة الأوداج و كأنها روّضت أسدا.
    لم أحضر كيف بلّّـغ أبي موافقة ربح على الزواج بحامد، لكن كل ما علمته فيما بعد أن حامد كاد يطير من الفرح ، و قبّل أبي من جبينه ، وكان كلّ مرّة يتحسّس وجهه ، كمن يقول مازال في العمر بقية، فلتذهب أيطاليا الى الجحيم، ها أنني كدت أن أخسر عمري وراء أمل كاذب و خادع كالسراب. و علمت أن أبي نبّه حامد لشيء مهمّ ، هو أن يحسن معاملة ربح و يكرمها و أن لا يضايقها في شيء ، و أن يتذكّر أنّ ل"ربح" أهل و من يحميها لو سوّلت له نفسه بأيّ شيء . كان أبي يقول لحامد هذه "الولية " أمانة في رقبتي ، اتمنّى أن تعيش سعيدة ، و تبني و تنجب ، وترى ما تراه كل إمرأة سعيدة، و كان حامد يعد أبي أنه سيكون زوجا صالحا ووفيا و أن لا يخذله و أن يكون في مستوى أمله فيه.
    إنطلق ترتيب أمور الزواج و العرس ، حيث باع أبي بعض الشياه على ما أذكر إثنان أو ثلاثة ، و تكفلت أمي بإحضار قائمة في الأدباش التي يحب عليه شراءها ، و تبرعت ببعض الأغطية الصوفية ، ونافول من الكسكسي و نافول من المحمّص و لمن لا يعرف النافول هو كيس جلدي من جلود الغنم تحفظ فيه الموالد الغذائية كالدّقيق و الكسكسي و المحمّص و البسيسة و غيرها ... ثم أحضرت ما يلزمها من التوابل
    و حتى مواد التجميل و التزيين و كل ما يهم المرأة الجديدة في بيتها الزوجي ، و كانت "ربح" تشرف بنفسها على كل الإعدادات ، و مع مرور الزمن بدأت تزول حالة الإنقباض التي بدت في أول وهلة على وجه ربح عند عرض الزواج بحامد. و كان أبي على علم باستعدادات حامد للزواج ، فقد أعاد ترتيب بيته و اقتني ما يلزم المرأة في بيتها و أبدل الباب القزديري لبيته بباب جديد من الخشب المقوّى و قام بدهنه و دهن النافذة الوحيدة و تجهيز ستار و فانوس صغير و بعض الصور الحائطية على الشاكلة الإيطالية ، و جهّزت أخته طابونة "قوجة" من الشكل المتوسط لطهي الخبز و احضرت له ما يلزم من الحطب الذي سوف يحتاجونه للطهي كهدية العرس. بعد هذه التحضيرات التي تمت على أحسن ما يرام و بأسرع وقت ممكن و هذا بفضل مساعدة عمال الضيعة لحامد و رغبتهم الشديدة في أن يروه زوجا مثلهم و لو في وقت متأخر نسبيا ، جاء اليوم الذي سيحدد فيه تاريخ الزواج ، إجتمع أبي و حامد و عمال الضيعة في فترة الراحة التي تسند للعمال إبان تناول الفطور، و قال حامد : يا سي فلان و يقصد أبي طبعا ، متى ترى أن نحدّد تاريخ الزواج ، فقد جهّزت كل شيء بفضل مساعدة الإخوة ، فأنا جاهز للعرس و انتظر ردك ؟؟؟ قال أبي : يا حامد نحن كذلك جاهزون ، و أرى أن تقترح أنت الموعد فانت صاحب البيت أن شاء الله . قال حامد : فليكن العرس بعد خمسة عشرة يوما يوم الخميس بعد السوق الأسبوعية البعد القادمة..هههه ما رأيكم ؟؟؟ أجاب أبي بقبول التاريخ المذكور ، ثمّ أجاب بعض العمّال أنه وقت محبّب و سيكون هذا العرس قبل شهر من قدوم شهر رمضان و قال آخر : سيكون علينا حضور العرس و أن نحصل على يومين من العطلة ، هذا عرس ليس ككل الأعراس ، أنه عرس حامد "قريدْ العشّ" و انخرط الجميع في الضحك و الفذلكة على حامد و كان حامد يتقبّل ممازحتهم بكل سرور و بصدر رحب بل ويشاركهم في السخرية بأن قال لهم : من منكم سيحملني للحمام البلدي حتى انزع هذه الجبال من الشحومات الميكانكية ؟ سيشترط صاجب الحمام ثمن خمسة أشخاص بدل واحد فقط هو أنا هههههههه.... و بينما هم كذلك يمزحون و يضحكون وتملئهم علامات الغبطة و الفرح لعرس حامد حتى قدم مصطفى رئيس التعاضدية الفلاحية و رئيس الشعبة الدستورية ، يختال في خطاه كالديك الروميّ ثم سأل العمال : ما الجديد ، ما لكم تضحكون ؟؟ منذ ساعة تقريبا و انتم على هذه الحالة، ألكم أن تضحكوني معكم ؟؟؟ قام أحد العمّال من مكانه و توجّه لمصفى بالحديث: عليك أن تقول لحامد العريس السعيد الحظ ، مبروك . ردّ مصطفي: مبروك ؟؟ على ماذا ؟؟ قال العامل : لقد قلت لك العريس..العريس ..العريس ....ألم تفهم ؟؟ بدأ مصطفي و كأنه لم يفهم أي شيء ، و تجاهل مسألة العرس فنهض ابي من مكانه و قال : أنا الذي أعرف أنك لا تفهم إلا " بالفلاّقي"، سوف يتزوج حامد يوم الخميس بعد القادم ..لقد أصبحت الأمور واضحة ، هل ممكن أن تتواضع و تقول لحامد مبروك ؟؟؟؟ ثم غادر أبي المكان في اتجاه موقع عمله ، بينما واصل العمال شرح الوضع لمصطفي ، و بعد أن عرف مصطفي كل التفاصيل حول مشروع زواج حامد ، و قد هاله الأمر أنه آخر من يعلم و أن الأمور في التعاضدية بدأت تتجاوزه و أن كلمته لم يعد لها صدى بينهم قال : في هذا الخميس المحدّد للعرس لا يمكن لي أن أمنحكم رخصة بيومين و حتي بساعتين لأنّ هذا اليوم يصادف قدوم أحد المسؤولين الكبار لتفقّد الضيعة و تفقد حسن تسييرها ، إذا عليكم بتأجيل العرس لموعد آخر حتى تتمّ زيارة المسؤول . هنا انقلب الجوّ من الضحك و المزاح الى الأنقباض و التوتّر، نادي أحد العمال أبي و أعلمه بقرار مصطفى و رغبته في تأجيل موعد العرس الذي يصادف قدوم أحد المسؤولين للضيعة، أشتعلت نار الغضب في رأس أبي و رمى بجمازته الزرقاء أرضا و اتجه نحو مصطفي الذي رجع لمكتبه بالضيعة ، و قد تبعه حامد ثمّ كلّ العمال.
    يتبع.....

    التعليقات
    7 التعليقات

    مدون بلوجر

    المشاركات الشائعة