• الرئيسية
  • قصة قصيرة
  • ادب عربى وعالمى
  • رجيم وصحة
  • سياسة الخصوصية
  • تواصل معنا
  • زواج كما أريد له -20-

    الحقيقة أنني لم أنقطع عن شرب الخمر . هكذا قال قال حامد وهو يتوجّه بالحديث الى أبي و قد أخذ نفسا طويلا من سيجارة " الخضراء" ، لكنني إنقطعت عن العودة للمنزل مخمورا ، فقد أردت أن أكون في مستوى تعهّدي أمامك و أمام العمدة و كلّ أهالي الدوّار بأن لا أعنّف ثانية "ربح" . فقد أخذت هذا العهد مأخذ الجد و قرّرت في قرارة نفسي بعد أن عرفت بل و تأكدت أن حالة السّكر التي قد أعود عليها قد تخونني و تجعلني في موقف لا أحسد عليه ، كما أن أخوايا الكبير و الصغير استحلفاني أن لا أعود سكرانا للبيت بعد أن عرفا أنني لا أستطيع طلاق الخمر . كنت إذا قرّرت شرب الخمر أتواعد مع "التيجاني" الحارس الليلي للضيعة فيشتري ما يكفي من الخمر و الجعّة و نأخذ ما يكفي من الطّعام و الغلال فنشرب حتى ساعة متأخّرة من الليل و عندما نكمل جلسة الشراب يعود "التيجاني " لبيته بينما آخذ أنا مكانه في الحراسة و أنام ببيت الحارس الى أن يأتي الصباح فاقوم مبكّرا حتى يظـنّ العمال أنني سبقتهم الى العمل و عندما يسأل أحدهم عن التيجاني أقول أنه رجع قبل قليل لمنزله. كنت أشرب الخمر مرّة أو مرّتين في الأسبوع و هذا يعني أنني أتغيّب ليلا عن البيت و أترك ربح وحيدة لا أنيس لها غير الكلب و الدجاجات . كانت ربح كلما عدت في الغد ، ترجوني أن لا أتركها وحيدة فالوحدة تألمها و تقضّ مضجعها رغم أنني أعرف أنها من النساء اللواتي لا يخفن الليل و وحشته ، لكنها كانت تعتقد أنني أهرب من وجهها و لا أطيقها و هذا ما يبعث و يزيد في حيرتها ، فتقول ما الذي فعلت أنا حتى تهرب من بيتك ؟ مع تواصل شربي للخمر و تغيّبي عن المنزل و جدت نفسي مظطرّا لقول الحقيقة " لربح " و حقيقة خوفي من عودتي مخمورا و في حالة سكر فكانت لا تصدّقني و تعتقد أنني أخفي شيئا آخر أو أن عدم إنجابها للبنين و البنات جعل منّي رجلا آخر . لقد كنت أتألّم فعلا من حكاية عدم الإنجاب لكنني لم أكره "ربح" أبدا ، لقد حاولت التوفيق بينها و بين الكأس فأنا أجد في الخمر ملاذي و مهربي عندما تسودّ الدنيا أمامي و أحسّ بعد كل سكرة أنني أولد من جديد و أنني تخلّصت من عبىء ثقيل ، يثقل كاهلي و يهدّني و يقطّعني إربا إربا .
    ذات مرّة بعد أن قضيت الليل خارج المنزل و بالضيعة كالعادة عدت للمنزل و بعد الإفطار و كأس الشاي قالت لي ربح: أسمع يا حامد أرى أنني لا أستطيع أن أكمل حياتي معك على هذه الشاكلة فقد ضقت ذرعا بهذا الحالة التي أعيشها معك فأنت إمّا تكون غائبا عن البيت أو واجما و حزينا ، قد تعود مرّة فلا تجدني بالمنزل فلا تظنّ أنني ثقيلة لهذا الحدّ ، صحيح لقد صبرت عليك لعلّك تتراجع لكن.... لم آخذ كلامها مأخذ الجدّ فقد كنت أظنّ انها أرادت أن تتأكّد من درجة حبّي لها أو ما شابه ذلك لكن بعد شهر أو شهرين أعادت على مسامعي نفس الكلام فلم أعرها أيّ إهتمام فقد قلت في نفسي ما دمت أوفّر لها كا ما تحتاجه و أقلعت عن تعنيفها منذ آخر مرّة ، فأين ستذهب ؟ كما تصوّرت أنها في أقسى الحالات سوف تذهب إليكم كما فعلت عند آخر شجار معها يوم أن ضربتها ، لكن اليوم تأكدت أنها لم تكن تمزح ، نعم ، أظنّ أنني أخطأت التقدير ككلّ مرّة منذ أن كان "سيره سيككا" عرفي و معلمي عند ما كان صاحب الضيعة قبل الإستقلال، فقد أسأت التقدير و ظننت أن إبنته تحبّني ، و أنها لن تفارقني و أنها ستضغط و تستعمل كلّ نفوذها عنده حتى يستقدمني للعمل ببلادهم .
    كان حامد يتحدّث و أنا و أبي نستمع و لا يقطع حديثة إلا لفترة إشعال سيجارة له او لأبي و قد مدّ الليل ظلامه و فجأة دقّ باب دار حامد فخرج ليستطلع الأمر خاصّة و أن الأمل لا زال قائما لرجوع "ربح" لبـيتها فإذا بها " أمّ الخير" جارة حامد و هي إمرأة أرملة منذ أن كانت في سنّ الثلاثين و لم تتزوّج منذ ترملها و هي الأن في سن الستين أو يزيد و هي تعتقد أنّها إمرأة غير محظوظة مع الرجال لكن سوف يأتي اليوم الذي يستوي فيه الحظّ ويعمل لصالحها و تجد الرجل المناسب ليتزوّجها وقد عاشت حياتها لهذا الأمل و كانت كثيرة التردّد على مستوصف القرية و كانت حريفة ممتازة لهذا المشفى و علاقاتها وطيدة بممرّضي و طبيب المستوصف لكثرة تخيلها الأمراض و تردّدها عليهم . لما فتح حامد الباب سلّمت عليه أم الخير و قالت: هذا مفتاح الحوش الذي سلمته لي "ربح" هذا الصباح الباكر . سألها حامد بكل لهفة : لماذا سلمتك المفتاح و ..و ..هل قالت لك شيئا آخر ، و الأهم أين ذهبت ؟ قالت أمّ الخير بعد أن عرفت أن حامد قلقا جدا عليها و أنّ أبي يوجد داخل بيت حامد : لما كنت هذا الصباح أستعدّ للذهاب للمستوصف وقبل أن اشرب قهوتي إذا بربح تدقّ الباب و تسلمني مفتاح الحوش و تقول لي أنها ستذهب و قد تتغيّب طويلا و تطلب مني أن أسلّمك المفتاح و أن أتعهّد دجاجاتها بالقنّ الداخلي بالحبوب و الماء بعد أن وصفت لي مكان كيس الحبوب . قال حامد :ألم تسأليها على وجهتها ؟ قالت أم الخير : نعم سالتها و لم تجبني فقد قالت ستعرفين فيها بعد و كنت أظن أنها سوف تزور بيت أخيك بمركز القرية فهي على علاقة جيّدة بزوجته و بعدها فكّرت أنّك على موعد معها للزيارة طبيب "الحزامات" لينظر في مسألة الإنجاب و لأنّ هذا اليوم يوافق زيارته الشهرية للقرية ، لكن ما جلب انتباهي و لم أفهمه هو تلك الحقيبة التي تحملها في يدها ؟؟ فهل يحمل من يزور الطبيب حقيبة كتلك ؟
    أخذ حامد المفتاح منها وهو هائم و التفت لأبي و كأنه يطلب تفسيرا لما حدث لكن أبي كان بدوره عاجزا عن أيّ جواب إلاّ أنه قال له : إذهب لبيت أخيك بوسط القرية لعلها تكون هناك ، ثم قام ابي من مكانه لنعود للبيت . في الطريق بدأ أبي يرتجف و يشعر بدوار و بدأت عليه حالة من الحمّى لعلها متأتية من أثر نزوله للبئر و سباحته في الماء البارد عندما كنا نظن أن "ربح" غريقة به. وصلنا للدّار فاعترضنا أفراد العائلة يسألون عن "ربح" فقلت لهم أننا لم نجدها و لم تكن غارقة بالبئر و يظهر أنها غادرت المنزل في إتجاة مركز القرية منذ الصباح الباكر. بدأ أبي يتصبّب عرقا و زادت أعراض الحمى فغطته أمي بالعباءة الأولى ثمّ الثانية لكن الحرارة إستمرّت في الصعود و الهبوط بدرجة لم تفهم أمي هل تغطّي أبي ام تنزع غطاءه و هالنا أن نرى أبي على تلك الحالة من الحمّى و لم نفهم كيف نتصرّف و نحن في قلب الليل ؟؟
    يتبع....

    التعليقات
    3 التعليقات

    مدون بلوجر

    المشاركات الشائعة