• الرئيسية
  • قصة قصيرة
  • ادب عربى وعالمى
  • رجيم وصحة
  • سياسة الخصوصية
  • تواصل معنا
  • زواج كما أريد له -21-

    بدأ أبي يتصبّب عرقا و احمرّت وجنتاه و غارت عيناه من شدّة الحمّى ، ملأت أمّي سطل ماء بارد من البئر و وضعت داخله قطعة من القماش ثم وضعتها هكذا مبتلّة على جبينه ثم غطّّت بها رأسه ، و كان أبي في بداية الأمر يرتجف ثم بدأ يئنّ و بعد وضع قطعة القماش على جبينه تصاعد بخار خفيف من جبينه و بعد السّاعة دخل أبي مرحلة تشبه الغيبوبة وبعد ها دخل مرحلة الهذيان فكان أن ناداني و أمرني أن أذهب لدار الضياف لأرى من يلعب الورق هناك ؟ كدت أذهب و أطيعه لأنني لم أفقه معنى هذيان الحمى الشديدة في تلك السنّ لكن أمّي إلتحقت بي و قالت : لا تذهب يا ولدي فأبوك يهذي من شدة الحمى ُ هكذا هو عندما تصيبه الحمّى فقد وقـع له مثل هذا ثلاثة أو أربعة مرّات منذ زواجنا ، وكدت أن يحدث لي مثلما حدث لك هذه الليلة لكن عمّتك نبّهتني الى أنّ والدك يدخل مرحلة الهذيان عندما يصاب بحمّى شديدة منذ أن كان صغيرا . تظاهرت أنني ذهبت لدار الضياف وبعدها قلت له: لايوجد أحد هناك ، دار الضياف مغلقة يا أبي. فاتتفض أبي من فراشه و أراد أن يقوم لكن أمي مسكته و أرجعته للفراش ، نظر أبي إلى أمّي و قال لها : إمسكي الحبل جيدا حتى لا أسقط في البئر، أو نادي بوبكر فلن تستطيعي وحدك مسك الحبل. ثم دخل أبي في غيبوبة ثانية فغسلت أمي أطرافه بالماء البارد و كمّدت جبينه مرّات و مرّات حتى إستفاق ثانية فقال لأمّي : إطبخي لنا الكسكسي فربح ستأتي ضيفة هذه الليلة ، هل عندنا ما يكفي من اللّحم ؟ أم نذبح ديكا آخر؟ كانت أمي تجيبه على كل سؤال بما يناسب حالته و بما لا يثير غضبه. مع آخر النصف الثاني من الليل غرق أبي في نوم عميق فنمنا كلّنا بالبيت الكبير الى جانب والدي ، أما أمي فلم تنم طوال الليل بل مكثت بجانب أبي تتابع حالته و تتجسسه لمعرفة درجة حرارته .
    في الصباح نادت أمي خديجة جارتنا التي لها مبادئ في تطبيب الصغار و الكبار فأعلمتها بالحمّى التي أصابت أبي و حالته الصحية المتردّية و التي سببها على ما تظنّ سباحته بالبئر. إستغربت خديجة من نزول أبي البئر فكان على أمّي أن تشرح لها الأسباب و تعلمها بتغيّب ربح فلما أشبعت كل فضولها بالأخبار و الأسباب و المسببات تقدّمت و نزغت الغطاء عن وجه أبي الذي لازال يغط في نوم عميق و لا يدري ما يحدث حوله ، فلما نظرت في وجهه قالت لأمي : هناك أمران لا ثالث لهما وهو أن البئر مسكونة بالجنّ فالجن يحبّ الأبار و مياه الأبار ولما غطس زوجك في الماء لم يستأذن منهم و لم يبسمل فكان أن عاقبوه ، أو أن يكون بسمل و استأذن لكن مصاب بالحمّى لأن ماء البئر بارد جدّا، وأنا سأبدأ بعلاجه من حادثة الجنّ أوّلا ثمّ من الحمّى ثانية . كانت أّمّي طوع بنان خديجة فوافقتها الرّأي و قالت لها : توكّلي على الله ماذا تريدين أن أحضر لك ؟ فقالت خديجة بعد أن فرّكت أصابعها و حكّت رأسها : أريد " الطلاج" وهي العصا التي تدير بها المرأة رحى الحبوب من القمح و الشعير و نصف ملعقة من الملح و ستة أسنان من الثوم الأحمر و أن تسلقي حبّة بطاطة في الماء و فولارة حمراء و شفرة حلاقة جديدة و شيئا من الماء النصف سخن و ان تشعلى الكانون حالاّ و تضعي شيئا من البخور الأسود و عرق الدّاد. أحضرت أمّي كل ما طلبته خديجة و أمرت أختي بسلق حبّة البطاطا و أشعلت الكانون فتصاعدت رائحة البخور فتقدّمت خديجة من أبي و بسملت و ذكرت اسماء كلّ الأنبياء و أولياء الله الصالحين خاصّة "جدّي عبيد" و "سيدي عبد القادر الجيلاني" و لوت الفولارة حتّى أصبحت كالحبل ثمّ أدارتها حول "الطلاج" و بدأت بالتمتمة و ذرّ الملح فوق أبي وهو لا يعلم شيئا و بدأت تمرّر "الطلاج" فوق جسده و عندما تقع الفولارة تنظر خديجة لأمّي و تقول لها : ها أن أولاد الرماد وهي تقصد الجنّ لا يريدون العفو عنه إنهم في أشد الغضب منه لأنه أقلق راحتهم و لم يستأذنهم أثناء الغطس و كانت أمّي تتابعها و تصدّقها و كأنّ خديجة تعلم الغيب أو شريكة الجنّ . أعادت خديجة الكرّة مرّة أخى في محاولة لإستدارج الجنّ و الحصول على عفو منه حتّى يبرأ أبي فكانت تقول : "جيتكْ باسم الله و بجاه رسول و سيدي عبد القادر راكب البغلات و سيدي عبيدْ ذوّاب الحديدْ و سيدي فلان و.....ان تسامحوا هذا المريضْ و من توّة لا تلقوه لا معرّض و لا في عريضْ " أي ما معناه أن أبي لن يعيد فعلته و لن يقلق راحتهم بعد اليوم وهي ترجوهم أن يصدر العفو عليه من طرفهم أي الجنّ . فجأة إنتفض أبي من مكانه و فتح عينيه فوجد خديجة "تكرْكب" عليه و تدعو الأدعية التي ذكرتها سابقا فاستغرب و قال لها : ماذا تفعلين يا خديجة و متى أتيتي إلى هنا ؟ قالت خديجة وهي تنظر لأمي: الحمد لله ها قد أصدروا عفوهم عليه و ها هو ينهض معافى و في صحة جيّدة . صاح أبي بعنف : قلت ماذا تفعلين يا خديجة ؟ قالت أمي : لقد ناديتها هذا الصباح لتداويك فقد كدت تموت ليلة البارحة من شدّة الحمّى . قالت خديجة : الحمد لله ها أنك بخير و هذا بفضل "سيدي عبيد ذوّاب الحديدْ" لقد " كركبت" عليك بالملح و "الطلاج" و توسّلت للجن الذي كان بالبئر فعفا عنك إنّك أقلقت راحتهم و لم تستأذهم في الغطس تحت الماء و... غضب أبي من أمّي و من خديجة و ظهر أنّه بدأ في التعافي بعد أن نام نوما عميقا فنهرهما و قال لهما أخرجا عنّي من البيت لعنة الله على الدجل و الدّجّالات ..أخرجا..أخرجا ....خرجت خديجة و هي ترعد كقصبة الريح بسرعة و تبعتها أمّي و هي تقوا : "أشومي ..آشومي ...من بعد ما برى طرّدنا " . في الحقيقة كنت أنا أيضا أعتقد أن خديجة هي السبب في علاج أبي و أنه أخطأ في طردها و كذلك جلّ العائلة و شعرت بالخجل تجاه خديجة و شعرت بالإحراج الذي وقعت فيه أمّي . بعد نصف ساعة دخلت بيت البنات فوجدت أمّي تبكي و قد أحرجها موقف أبي و جعلها في حالة لا تحسد عليها ، حاولت أن أخفّّف عنها صدمتها من موقف الوالد لكنها واصلت البكاء و هي لا تريد حتى أن تنظر في وجهي . نادى أبي: يا طفلْ ..يا طفلْ .. و كان يقصدني طبعا ..أين أمّك ؟ و كانت هذه عادته عندما يكون في خصام مع أمي فهو لا يتوجّه لها بالكلام مباشرة بل يأمر أحد أبناءه أو بناته و أمّي تنفّذ أوامره و نقوم نحن بدور سعاة البريد بينهما . فقلت له في حالة غضب ولوم : إنها بيت البنات ...إنها تبكي ...أنت الذي أبكيتها فماذا فعلت حتى تبكيها ، ليلة البارحة لم تنم طول الليل لأجلك فقد كادت الحمّى أن تقتلك و كنت يا أبي ...كنت...تهذي نعم تهذي ، لو لم تعرف أمّي كيف تتعامل معك لحدثت كارثة ..لقد كنت تريد الذهاب الى البئر للبحث على ربح و أنت على تلك الحالة من الحمّى لو لم تمسكك أمي لتعود لفراشك....قلت هذا و أشحت عنه بوجهي و كانت أوّل مرّة أحتجّ فيها على أبي و أرفض تصرّفه مع أمّي ثمّ تركته دون أن أستأذن وخرجت من البيت الكبير لبيت البنات . لما دخلت نظرت إلى أمي فوجدت أن موقفي مع أبي تجاها الذي سمعته حرفيّا قد هدّأ من غضبها و بكاءها فاحتضنتي و كأنّها تشكرني ثم قالت : إذهب و اسأل أبوك ماذا يريد منّي و لا تهتمّ لأمري فها أنني أقلعت عن البكاء . رجعت لأبي و قلت له ماذا تريد يا أبي ؟ فقال : خذْ فرخا من الدجاج لبوبكر ليذبحه وقل لأمّك أن تطبخ شربة حارّة بالدجاج و هاك النقود واذهب لمركز القرية واشترى حبّات من الأسبرين و دواء لتخفيض الحرارة . فذهبت و أعلمت أمي بما يريد أبي فقامت للقنّ لمسك "فرّوج دجاج" فحملته لبوبكر لذبحه ثمّ قصدت مركز القرية لشراء الدواء و انا أفكّر في مرض أبي المفاجئ و هل أن تطبيب خديجة هو الذي أنقذه أم لا ، ثمّ لماذا شغلنا مرض أبي على متابعة أخبار ربح و أين تكون ؟؟؟
    يتبع......

    التعليقات
    8 التعليقات

    مدون بلوجر

    المشاركات الشائعة