• الرئيسية
  • قصة قصيرة
  • ادب عربى وعالمى
  • رجيم وصحة
  • سياسة الخصوصية
  • تواصل معنا
  • زواج كما أريد له - الحلقة الأخيرة -


    كان عليّ أن أمرّ على دار" ربح وحامد " و أنا في الطريق الى مركز القرية لشراء الدواء لأبي . طرقت الباب مرّات و مرّات ناديت بكل قوايا فلم أسمع إلاّ صدى صوتي ، خيّل لي أن ربح تسمعني خلف الباب و لا تريد فتحه أوهي عاجزة عن ذلك فتسلّقت حائط الحوش حتّى أرى ساحته الدّاخلية فلم أرى إلا الكلب الذي يعرفني جيدا و لا ينبح عند رؤيتي بل يرحّب بي ، نظر أليّ بعنيْ المتسائل و الباحث بدوره عن ربح ورأيت بعض طيور الدّجاج و باب بيت ربح مغلقا ، نزلت من على الحائط و اكملت طريقي . لما وصلت إشتريت الدواء و قرّرت أن أذهب إلي دار أخي حامد لعلّني أجد ربح كما كنت أظنّ ، انطلقت مسرعا فلما وصلت وجدت حامدا هناك و دون أن أسأله لأنه عرف سبب مجيئي قال: ليست هنا ...ربح..ليست هنا . ثم صمت برهة من الزمن ثم قال : أين أبوك؟ فقلت له أن أبي مريضا و كادت الحمّى أن تقتله ليلة البارحة ، قال : هيا بنا لنسأل قابض تذاكر الحافلة بشباكه وسط مركز القرية فتحولنا لشبّاك التذاكر و لما وصلنا سأله حامد : سي محمود أرجو أن تكون ذاكرتك صافية و قوية ، هل قطعت أمرأة تذكرة في إتجاه الكاف أو مكثر صباح أمس؟ هي إمرأة تقارب الأربعين من العمر في يدها حقيبة متوسّطة الحجم على جبينها وشم خفيف لا يكاد يرى و ...و.. لما أكمل حامد وصفه قالّ "سي محمود" : على ما أتذكّر لم أرى إمرأة بهذا الوصف فالذين قطعوا التذاكر يوم أمس سواء في إتجاة الكاف أو مكثر كانوا تقريبا كلّهم رجال ألا إمرأتان مصحوبتان بزوجيهما و بعض الفتيات الصغيرات اللواتي لم يتجاوزن الخامسة عشرة ، لا ، أبدا لم أرى إمرأة بهذا الوصف و أنا على يقين من ذلك ، من تكون هذه المرأة يا حامد ؟ نظر حامد إلى قابض الشبّاك وقال بعد مهمهة : هي...هي ...زوجتى خرجت منذ أمس ...ولم تعد . ونحن نغادر شبّاك التذاكر ، إذ بسي محمود ينادينا : حامد...حامد...إذهب واسأل قابض شباك تذاكر القطار فلعلها ذهبت هناك . شكر حامد سي محمود والتفت إليّ و قال : والله نسيت ، نعم نسيت قابض شباك تذاكر القطار ، أنا مظطرب ولا أدري ماذا أفعل ، هيّا لنرى. ذهبنا لقابض محطّة القطار و كان أصيل القرية ويعرف تقريبا كلّ السكّان بحكم مهنته كقابض شبّاك ، فلما وصلنا سلّم عليه حامد فردّ السلام و بادر حامد بالسؤال عن قيمة مواشي الضيعة التي يشتغل بها حامد لأنه يريد أن يشتري عجلا ليذبحة بمناسبة زفاف أحد أبنائه ، فردّ حامد بالإيجاب وأنه على إستعداد لمساعدته في الإختيار و التوسّط له لدى رئيس التعاضدية بخصوص الثمن، وبعدما سأله حامد معيدا وصف ربح كما تمّ مع سي محمود أطرق قابض الشبّاك قليلا ثمّ قال : نعم أظنّ أنني رأيت إمرأة بهذا الوصف، نعم ، نعم، أنا أتذكّر إمراة بهذا الوصف ، ثم إلتفت الى أحد زملائه بالشباك و المسؤول عن التهاتف بين المحطات و توجيه سوّاق القطارات وقال : تلك المرأة التي أتت مبكرا قبل وصول القطار المتجه للعاصمة بساعة تقريبا ، فأومأ زميله برأسه معلنا تذكّره ، بل و أضاف أنه أدخلها لقاعة الإنتظار مستغربا قدومها الباكر . قال القابض : في الحقيقة : أنا أعرف كلّ السكان بالقرية إلاّ هذه المرأة ، و قد خفت أن أحرجها لو سألتها ، فقد دفعت لى بحافظة نقودها كاملة و طلبت منّى أن آخذ ثمن تذكرة القطار بحكم أنها لا تعرف ثمنها بالظبط ، و جدت بحافظة نقودها خمسة عشرة دينارا و بعض القطع النقدية ذات القيمة المختلفة ، أظنّ ما يعادل الدينارين ، أخذت ثمن التذكرة وهو ثلات مائة و سبعون ملّيما و ارجعت الحافطة ، هي حافظة حمراء اللون ، و لاحظت عليها الكثير من الإرتباك و التوتّر و الحيرة و قد خفّ هذا بقدوم بعض الركاب الآخرين لقاعة الإنتظار ، نعم ، رأيتها تتحدث مع زوجة " العوني" التي كانت بدورها ذاهبة للعاصمة لزيارة زوجها الذي أجرى عملية جراحية منذ يومين بمستشفى الرّابطة وقد ركبا مع بعضيهما في القطار بنفس المقعد بالعربة الثانية و...
    نظرت إلى حامد وقلت : يجب أن تكون هي فأنا أعرف حافظة نقودها و لونها وهو نفس اللون الموصوف من طرف قابض الشبّاك، وأنا الذي كنت أبيع محاصيلها من البيض و الدجاج و أعطيها الثمن لتحتفظ به في تلك الحافظة و أنا الذي أعرف أنّها جمعت ما يزيد عن عشرة دنانير ، و هي التي كانت تناديني لأحسب نقودها فهي لا تسطيع عدّ النقود. خرج حامد يجرّ ساقيه وأنا أتبعه ثمّ سألته قائلا : عمّي حامد ، عمّي حامد ، ماذا ستفعل الآن ؟ فأجابني : لا أدري بالظبط ، لا أدري ...سأنتظر زوجة العوني فقد تدلّنا على الخيط الذي يقودنا اليها أو أعلم مركز الحرس ليضعوها محلّ تفتيش في الجهات الأخرى ، سأعلم أباك ، لعلّ له رأي آخر...
    رجعت بسرعة البرق للمنزل لأحمل الدّواء لأبي لأنني أخذت وقتا أكثر من اللازم لأعود إليه به ثمّ لأعلمه بآخر أخبار ربح ، عندما وصلت وجدت أبي في إنتظاري وقد اتعبته ليلة البارحة و تعاوده الحرارة من حين لأخر ، فناولته الدّواء ثم أعلمته بأن ربح سافرت لتونس منذ صباح أمس و قد وصفناها لقابض شباك التذاكر فتذكرها جيدا وانها سافرت مع زوجة " العوني " بالقطار بذات المقعد و العربة . اطرق أبي و بعد أن شرب حبّة الدواء قال: كنت أعرف أنّها تخفي شيئا أو تعدّ لسفر آخر ثمّ إلتفت الى أمّي وقال : أتتذكّرين يوم أتت ربح على غير عادتها لتبيت معنا ؟ قالت أمّي : نعم أتذكّر تلك الليلة التي أصرّت فيها ربح على السّهر معنا بالبيت الكبير هنا بجانبك و قد طبخت العشاء كاملا لوحدها و كانت في حركيّة غير معهودة ، نعم أتذكّر هذا جيّدا . قال أبي : أظنّ أنها ليلة الوداع التي إختارتها "ربح" فقد رأيت في عينيها ما لم أره من قبل ، فقد كانت تودّع كل شيء حتى أركان البيت وقنّ الدجاج ، لقد خرجت على حين غرّة فوجدتها تعانق البقرة العسليّة التي إعتادت على حلبها قبل زواجها من حامد ، فلما رأتني تظاهرت بعدم الأهتمام و قالت أنني أحب هذه البقرة و أعتقد أنها تحبّني هي بدورها . قالت أمّي: أه ..تلك الليلة التي أهدت فيها البنات علبا من الأواني و الكؤوس ، لم تنم ليلتها ، ظلت تدور و تتحدّث ثم تقوم من مكانها لتعانقنا فردا فردا ، لقد غاب عنّي أنها راحلة أو تعـدّ للرحيل ، فحتّى الكلب أصرّت أن تناوله عشاءه من النخّـالة واللبن ... قالت أختي لأبي : أرجوك يا أبي أنت تعرف مدينة تونس أكثر من عمّي حامد ، فاذهبْ وابحثْ عنها هناك فلعلّك تجدها . قال أبي : سأحاول ..سأحاول .. العاصمة كبيرة جدا يا بنتي ومهمتي ستكون كمن يبحث عن إبرة في نادر تبن كبير ..قد يسعفني الحظ .. الله معها ...مسكينة ... و الله مسكينة .
    إنتظرنا عودة زوجة العوني لتمدنا بأكثر تفاصيل عن رحلتها مع ربح إلى العاصمة ، فلما عادت بعد يومين، و قد كنّا على علم بعودتها ، إستقبلناها بمحطة القطار و دون مقدمات سألها حامد : المرأة التي ركبت بجانبك يوم سافرت للعاصمة أين ذهبت و أين نزلت ؟؟ قالت زوجة العوني : لقد نزلت ببن عروس ، محطة بئر القصعة ، لقد قالت أن لها خالا سافر إلى منذ عشرين عاما و أنه سكن على ما تعلم ببن عروس و أنها ستبحث عنه ليساعدها ...حسب ما فهمت ، هي غاضبة من زوجها ، ومن زواجها الفاشل منه ، أأنت زوجها ؟؟ قال حامد : نعم ، أنا زوجها .. ردّت زوجة العوني : حرام عليك لماذا لم تحسن إليها ؟؟ لقد كانت تبكي طوال السّفرة ، قد قطّعت قلبي ، والله فاطمة إمرأة طيّبة ...عندما نطقت بإسم فاطمة حبس حامد أنفاسه ، وقال : هي إسمها " ربح " و ليست فاطمة ؟؟ قالت زوجة العوني : حسب ما قالت لي هي إسمها فاطمة و متزوجة منذ ما يقارب الخمسة سنين ، فكيف تقول أنّ إسمها "ربح" ؟؟ أنسيت حتى إسمها ؟؟ همهم حامد واحتار في الأمر و بقي يتساءل لماذا غيّرت ربح إسمها و ما الذي دعاها لذلك ؟ هل هو الإمعان في التخفّي أم أنّ إسمها الحقيقى فاطمة ؟؟

    بعد أن شفي أبي إتّفق وحامد على السفر للعاصمة للبحث عنها فسافرا سويّا و بقيا طيلة أسبوع يجوبون منطقة بن عروس ثم العاصمة و هم يبحثون عن إمرأة إسمها ربح أو فاطمة تحمل حقيبة حمراء قانية وهي تبحث عن خالها الذي نزح منذ عشرين عاما لكن بحثهما لم يؤدّي لنتيجة مملموسة رغم تواتر بعض الأخبار عنها من حين لأخر لكنها كانت كلها أخبارا زائفة . بقي حامد يحدوه أمل لقاء "ربح" من جديد فكان كلّما قبض أجرته الشهرية يسافر للعاصمة على أمل لقاءها ، بينها يئس أبي من المسألة و تألّم من سفرها دون إعلامه رغم أنه يعرف أنها إمرأة شجاعة فقد كان يذكرنا بأن إمرأة تبيت بغابات جبال "سوق الجمعة" وحيدة لا بدّ أن يكون قلبها من حديد ، وكان كلّ مرّة يتساءل هل كنت مخطئا لما زوّجت ربح ...أو فاطمة لحامد ؟؟

    بعد الذي جرى ، قرّرت أن لا أزور بيت حامد أبدا لأن خيال "ربح" و هي تعترضني و أنا في الطريق إلى المدرسة لا زال يطاردني ليوم الناس هذا وقد رفضت ذاكرتي قبول إسم فاطمة فإسم "ربح " بقي محفورا في ذاكرتي ... كما أنّني لا أدري ماذا فعل حامد بالدجاجات و الكلب .....

    التعليقات
    17 التعليقات

    مدون بلوجر

    المشاركات الشائعة