• الرئيسية
  • قصة قصيرة
  • ادب عربى وعالمى
  • رجيم وصحة
  • سياسة الخصوصية
  • تواصل معنا
  • رؤيـة الـشـهـر الـسّـابـع -3-

    نظر إليها زوجها مرّة أخرى مستغربا و حائرا و حاول أن يهوّن عليها الأمر لعلها تطمئن قليلا و تطرد هذه الرّؤية من مخيّلتها لكنه فشل في ذلك و لمّا أيقن أن لن يستطيع أن يغيّر شيئا ، نفخ على على المصباح الحائطي و أطفأه ، ثم رجع إلى فراشه متظاهرا برغبته الجامحة للنّـوْم، و لما إستلقى على ظهره نظر الى سقف البيت المظلم و مرّت أمامه لوحة سوداء و أوهام مفزعة ، لعن إبليس ، وتمتم و كأنه يقرأ آية قرآنية ، ثم قرّر أن يستعيد المبادرة أمام زوجته ، لأنه شعر بعجزه على إقناعها و التخفيف عنها، فقال لها : طالما حذّرتك من تناول طعام دسم في الأشهر الأخيرة من حمْلك ، لكنك هكذا أنت لا تتمالكي نفسك عن الأطعمة الدّسمة فتتحوّل ليلتك إلى أحلام مزعجة ، فتقلقين و تقلقين غيرك . قالت له : منذ شهر أو أكثر لا يزيد طعامي ليْلا على قليل من التمر و كأس من الحليب لا أكثر و لا أقلّ، فأنا أخاف البدانة أو سمنة الجنين فهي لا تساعد على الولادة السهلة و هي تعليمات صادرة عن عمّتي "مريم" منذ حمْلي الأوّل وهي قابلتي كما تعرف و قابلة العشرات من النساء ...قلت لك إنها رؤية و أعرف أنك لا تصدّقني ، ستصدّقني عمّتي و تحل لغز الرؤية...تستطيع أن تنام فلن أوقظك ثانية. تظاهر الزوج بالنعاس و تناوم حتى يظهر لزوجته أنه لا يهتم كثيرا ولم تزعجه الرؤية كما حالتها هي ، لكنه في الحقيقة ورغم أنه يكره التنجيم و تفسير الأحْلام و العرّافات و التّمائم و التعاويذ و لا يؤمن بها أصلا فإنّ النّوم طار من عينيه و دخل في تفكير عميق ، فكيف لو أنجبت زوجته طفلا ناقصا ؟ لكن ينقصـه ماذا ؟ و هل سينتظر مثله مثل زوجته تفاسير عـمّة زوجـته "مريم"؟ . سمعت زوجته زفرته التي تدل على أنّه لم ينمْ بعـْد، فعلمت أن زوجها يبادلها الحيرة و الخوف عليها أو على الجنين، فأرادت أن تخفّف عنه و تبدّد حيرته حتى يقوم باكرا لعمله فقالت له : أظنك لم تنم لحدّ الآن ، إن غدا لناظره قريب ، لعلها أحلام مزعجة كما قلت أنت فلا تقلقْ و نمْ قليلا و انتظرْ غدا فطورا شهيا . فهم الزوج أن زوجته تهوّن عليه الأمر بعد أن فشله في تهوين الأمر عليها ، فشعر بالخجل ، لكنه لم يرد أن يشعر زوجته بذلك فتظاهر ثانية بالنوم.
    في الحقيقة كلاهما لم ينمْ ليلتها رغم أنهما تظاهرا بذلك ، وفي الصّباح الباكر نهض الزوج كعادته وهو يعلم أن زوجته سبقته منذ نصف السّاعة تقريبا لتحضر فطور الصباح لزوجها. تناول الزوج فطوره و قصد العمل دون أن يظهر ما يزيد حيرة زوجته كما تظاهرت هي بنسيان حادثة البارحة، و لما تأكدت من مغادرة الزوج و ابتعاده عن المنزل،قصدت فراش إبنها البكر فوجدته نائما ، أبعدت الغطاء من على وجهه و مسحت برفق على رأسه حتى توقضه بلطف و كي لا تغضبه من هذا النهوض الباكر في أيّام العطلة التي طالما إنتظرها ليعوّض ما فاته من لذّة النوم أيّام الدراسة . بعد برهة من الزّمن و بعد محاولات متتالية إستفاق إبنها لائما و معاتبا على هذا التبكير الغير عادي ، ضحكت أمه في وجهه وعانقته ، ثم قالت له : إسمعْ يا بنيّ ، أردتك أن تقوم باكرا هذا الصباح ، لتذهب إلى منزل عمّتي "مريم " لتدعوها على عجل فأنا في حاجة إليها فهي منذ أن ماتت جدّتك رحمها الله، أمّي و عمّـتي و قابلتي و مستودع سرّي، أطال الله في أنفاسها فأفضالها عليّ لا تحصى و لاتعدّ . تراجع إبنها و تثاءب و أراد العودة للفراش مستغربا إلحاح أمّه فهذا الأمر يمكن أن ينتظر حتى منتصف النهار أو الظهيرة ، لكن الأمّ أعادت إلحاحها على إبنها ، و وعدته بشيء من النـّقود ليشتري ما يريد وهو في طريقه للعمة "مريم" فالحانوت الرّيفي يتوفّر على كل أنواع السّلع و كذلك كل أنواع الحلويات ، عندها نهض من فراشه و كأنه كان ينتظر هذا الإغراء المالي ليقوم بالمهمّة وهي يعلم في قرارة نفسه أن أمّه هي الوحيدة التي تناوله النقود لقضاء بعض الشؤون المنزلية أو شراء ما يلزم البيت عكس أبيه الذي لا يقبل أبدا أية مساومة معه لقضاء حاجيات العائلة و أن أيّ تردّد أو تكاسل يكلفه عقابا شديدا يصل حدّ الجلد . لم يفوّت الولد الفرصة فاشترط ما أراد من النقود لقاء المهمّة خاصة و أنّ دار العمة "مريم " بعيدة و تتطلّب سير منتصف النهار ذهابا و إيّابا و لم تجد الأم بدّا دون الإستجابة لطلباته المالية . أفطر الولد بينما أحضرت أمّه الحمار و وضعت البرذعة و الزنبيل وأحْزمتْهما بشدّة ظهر الحمار حتى لا يفلتا أثناء السير الطويل في الطريق الى دار العمّة و بعدها أرْكبتْ إبنها الحمار وقالت له : إعلمْ عمتي أنها قد تبقى عندنا طويلا فأنا لا أعلم متى يأتيني المخاض فعليها أن تأتي بما يكفيها من اللّباس و أشيائها الخاصة بها و تضعها هنا في "الزّنْبيل" فهي مسنّة و لا تستطيع حمل أدباشها ، بعدها قصد الولد مبتغاه فرحا مسرورا بما حصّله من مال وبقيت أمّه تنتظر عودتهما على أحرّ من الجمر . بعد برهة من التفكير تذكرت أنها وعدت زوجها بفطور شهيّ ثم أن عمّتها ستكون اليوم ضيفتها المبجّلة التي ستحل كلّ ألغاز رؤيتها المقلقة و التي عجزت عن حلّها.
    يتبع...



    التعليقات
    6 التعليقات

    مدون بلوجر

    المشاركات الشائعة