• الرئيسية
  • قصة قصيرة
  • ادب عربى وعالمى
  • رجيم وصحة
  • سياسة الخصوصية
  • تواصل معنا
  • رؤية الشهر السابع 6....إليك...


    عمّتي لا أريد أن أكون "خضراء" ثانية ، هذه " الوجيعة" ليست ككل الوجائع،قالت هذا الكلام بعد أن أحسّت بوخز المخاض منذ أن أرادت حلب البقرات في صبيحة يوم الخميس، فقد حملت معها السّطل و اتجهت للإسطبل كعادتها لحلب البقرات قبل طلوع الشمس و إطلاق عنان العجول الصغيرة على أمهاتهم من البقرات ، فلما جلست جلستها القرفسائية أمام ضرع البقرة ، أحست بشىء مألم يقطع أحشاءها فعرفت أنه المخاض ، مخاض يوم الخميس له وجائعه الخمس ، ليت المخاض كان يوم الأحد فله وجيعته الواحدة. هذا ما جال في خاطرها وهي تخاطب عمتها " أرجو أن لا أكون " خضراء" ثانية " . نظرت العمّة في وجهها شزرا و قالت : ما أريد إلا فأل الخير ...مالك و "خضراء " رحمها الله ،أنا عمتك فهل تثقين بي ؟ قالت الأم وهي كالشــاة أمام ذابـحــها :نعم..نعم أثق بك يا عمتي ..هو هوس المخاض فقط .قالت العمّة: الحمد لله أنك ستلدين في شهرك التاسع كما إنتظرت، فقد خفت أن تلدي في شهرك الثامن و هذا ما أرّقني منذ مدّة، الآن إسمعي كلامي جيّدا و طبقيه بحذافره ، لا أريد منك أن تصيحي ، و تماسكي جيدا ، حتى لا أكون في كامل تركيزي ، إن جاراتك لو سمعن أنين المخاض و آتين إلى هنا فسوف يشتتن تركيزي بتدخلاتهن الغير صائبة فيذهبن عنى مشيرتي و يضحكن عنّي خديجة قابلة حيّكم. إنني أشعر لأول مرّة أنني في إمتحان عسيرفهل تسمعيني جيّدا ؟ فأومأت الأمّ أن نعم و تمدّدت على الفراش.

    سحبت العمة مخدتان عالياتان كانت قد أحضرتهما منذ مدة و أجلست بنت إخيها عليهما ثم أمرت البنت الصغيرة بإشعال الفرن و تسخين الماء في " النّحاسة" الكبيرة ثم أجلست الأم على المخدتين و علّقت حبلا بسقف البيت و ربطت الأم على شكل طيّار مظلّي و مرّرت الحبل تحت إبطيها بشكل يجعلها لا تستطيع الحراك يمينا أو شمالا و قالت لها : إنّ الكثير من شجاعتك يجعلني أتمّ توليدك في أحسن الظروف، فخذي نفسا طويلا و امسكي الشدّداة التي ربطتها بالحبل و نادي يا سيدي يا رسول الله ، يا محمد ، يا عليّ ، يا فاطمة يا ابنة رسول الله، ثمّ عضّي هذه الخرفة من القماش و إيّاك و الصّياح ثانية و إلاّ أدّبتك بهذه العصا.

    إناء مملوء بماء ساخن ، و امرأة تمسك حبلا مربوطا بسقف البيت و تجلس على مخدّتين تقابلها مرأة عجوز تجاوزت السبعين من العمر ، و زوج غائب بحكم عمله في أسواق الماشية و طفلة صغيرة في سنّ الثانية عشرة تشعل النّار و تضع "نحاسة" سعتها تفوق العشرين لترا من الماء فوق لهيب النّار و تشعل مجمارا آخر للبخور تيمّنا و تبرّكا. تقوم العمة مريم من مكانها و تطرد بقية الأولاد من البيت فلا يجب أن يرى الأطفال أمّا أثناء الوجيعة و المخاض قيرقض الطفل أوامر العمّة و هو الذي يعلم رؤية أمه في شهرها السّابع ، تنهره العمّة فيأبى و ينتفض و يصرّ و يتمرّد ، تصيح العمة : آه لو كان الوقت يكفيني لعقابك لفعلت سوف أشتكيك لأبيك عند عودته اليوم. يهزأ الطفل من توعّدها و يراقب سيلان العرق البارد على جبين أمه و أنينها المكبوت في حلقها خوفا من عمتها و ينادي بدوره يا رسول الله ، يا عليّ ، يا فاطمة الزهراء ، ساعدوا أمي و هيّنوا ولادتها.

    تمر الساعة الا,لى بدون الفرج المأمول، و تغيم عينا الأم من الألم و تعضّ عضّا شديدا على خرقة القماش و يملأ البخور أرجاء البيت فيعسّر تنفّس الأمّ و يزيد آلامها و ترفع العمّة عصاها لتخيف المتمخّضة حتى تزيد جهدا أكثر فلا تأبه الأم بتهديد العمّة و يتعالى صياحها فقد آن للجارات أن يسمعن صياح الأمّ و آلام المخاض. تدخل الجارة الأولى و الثانية و الثالثة و......و يصحن مستنكرات إخفاء المخاض و إرادة إستبعادهنّ على مساعدة القابلة. بعد عناء طويل تصيح العمّة مريم : إنه فارسي ....إنه فارسي... هذه هي المرّة الثانية أستقبل مولودا فارسي ...و تصيح الجارات كيف عرفت أنه فارسي ؟؟ فتصيح العمة : كيف تكذبنني ؟؟ ألا ترين أصابع الساقين بدل رأس الوليد الذي يسبق عادة ساقيه ؟؟ تسترجع الأمّ يقظتها و تصيح من جديد يا محمد يا رسول الله ساعدني فأنت رجائي.

    تمسك الأم بالشدّادة المربوطة بالحبل بكل قواها و يعلو صياحها و تغسل العمّة يداها بالماء الساخن مرّات و مراّت و تعيد الكرّة في محاولة لتوليد الجنين ، يجب أن تجذبه بلطف حتى لا تنفصم ساقاه و يلد معاقا لا قدّر الله ، يجب أن يلد سليما و معافى و يجب أن تنجح في مهمتها حتى تثبت أنها الأجدر من القابلة "خديجة" و فجأة تسقط الأمّ في غيبوبة جديدة فقد كان المخاض عسيرا. بعد الساعتين او يزيد تولول الجارات يالزغاريد و يتعالى دخان البخور و تغطس الأم في غيبوبتها الأخيرة بينما تعلن العمّة مريم ولادة طفل ذكر سالم من كل العيوب و فارسي المولد في يوم هذا الخميس المبارك الذي يسبق يوم الجمعة الأغرّ.

    عندما تستفيق الأمّ من غيبوبتها ، و تفهم أنها و لدت بسلام ، تطلب من عمتها أن ترى وليدها ، فتناوله إيّاه ، فتحضنه الأم و كأنها ولدت لأوّل مرّة، ثمّ تتحسّسه جيدا ، و تتلمّس العينين و الساقين و اليدين و الرّقبة و تصيح : إنّه كامل ....إنّه كامل....إنّه كامل...و تعانقه باكية و غير مصدّقة ، فكيف لهذه الرؤية، رؤية الشّهر السّابع أن تكون كاذبة؟؟ و كيف لهذا الرجل الذي رأته في منامها أن يكوم كاذبا؟؟؟ و تتعالى الزغاريد من جديد و كأنه إنتصار على الموت و ثأرا ل"خضراء" من مخاض مميت. قالت إحدى الجارات : هذا الولد ولد يوم الخميس فلنسمّيه "خميس" و قالت أخرى : لا...لا...بقد ولد فارسي ، فلنسميه " فارس" أو " الفارسي" و قالت أخرى : هو أغنج العينين و فحمي الشّعر يميل ألى السّمرة و لم يبكي كثيرا بعد ولادته قلنسميه "القمري" فهو يشبه القمر و مثل هذا لا يخاف الّليل و سواده و.... بعد هذا الجدل الصاخب و بعد أن إسترحعت الأمّ أنفاسها من هذا المخاض العسير قالت: في إحدى ليالي الشهر السابع زارني رجل و قـد كنت بين نوم و يقظة و قال لي بأنّي سأنجب ولدا ناقصا و أرعبتني هذه الرؤية و بما أن الله أكرمني و أنقذني من شرّ هذا الحلم المزعج و ولدت صبيا كما قال لكنه و لحسن حظي كاملا و ليس ناقص كما أعلمني فإنني سأسميه " كمال " و أضيف له إسم "محمّد" كتميمة فيصبح " محمّد كمال "، نعم هو "محمّد كمال" فهل أعجبكم هذا الإسم ؟؟ قالت هذا و أعادت تجسّس الوليد و كأنها تريد التثبّت منه ، فزغرت الحاضرات كإعلان موافقة مع إستغرابهنّ كتمان سرّ هذه الرؤية منذ ما يزيد عن الشهرين من طرف الجارة الوالدة.

    يتبع....
    التعليقات
    0 التعليقات

    مدون بلوجر

    المشاركات الشائعة