• الرئيسية
  • قصة قصيرة
  • ادب عربى وعالمى
  • رجيم وصحة
  • سياسة الخصوصية
  • تواصل معنا
  • رؤية الشهر السابع -7-

    عاد الزوج ظهرا راجلا كعادته، ومن وسط هذا المنبسط الريفي الشاسع و على بعد مئات من الأمتار رأى حركة غير عادية أمام منزله، باب دراه مشرعا و الجارات في حركة دخول و خروج ، إرتعـشت ركبتاه ، و تمـتـم " إن شاء الله خير " ثم أسرع الخطى نحو داره فلا بد أن يختصر المسافة في بعض الدقائق حتى يعرف ما يجري و ما سبب هذه الحركة الدؤوبة ، إرتعش جسده ثانية و تساءل في صمت :" هل ولدت ، أم هو............. المخاض....أم... ؟ " ، ما كان عليّ أن أغيب عن بيتي على الأقلّ هذه الأيام . لما إقترب من باب الزريبة وهو على بعد بعض الأمتار من الدار، وقف ، كيف يدخل هكذ و النساء يملأن صحن الدارا و منذ متى يقتحم رجل داره وهي مليئة بالنساء ؟ لن يفعل هذا حتى و إن كان الأمر لا يحتمل التأجيل ،هل يكون جسورا إلى هذا الحدّ ؟ نعم... إن كل ولادة تعني أن هناك رجل عانى من ساعة ضعف في يوم مّا أو ليلة مّا أمام إمرأة و تنازل عن الهيبة التي كانت تحيط به و الهالة و الشدّة لينام كالطفل الصغير بين أحضانها و يصير في لحظات طوع بنانها و تصيرالآمرة الناهية و يصبح المتقبل و المطيع و الحمل الوديع الذي لا يستطيع رفض أمر ، لذلك يتحاشى الرجال النساء في مثل هذه الأوقات بالذات حفاظا على بعض ماء الوجه...تظاهر برباطة جأش مفتعلة و تنحنح كعادته ثم تراجع الى الوراء ، وحاول تفقد البقرات مظهرا أنه لا يهتم كثيرا لكنه في الحقيقة كان على أحرّ من الجمر لمعرفة الأمر و قد بدأ يتأكّد أن الأمر يتعلق بولادة زوجته خاصة لما تصاعدت رائحة البخور و " الدّاد " . لم يطق الزوج صبرا فنادى إبنه الذي ظهر فجأة أن تعالى بإشارة قاصمة و حادّة ، لما وصل إبنه أمامه سأله الأب : ماذا يحدث ، هل أمك بخير ؟ أجاب الولد : نعم ...نعم ..إنها بخير ، لقد أنجبت أمي طفلا جميلا ، نعم إنه ولد يا أبي كما كما رأت أمي في المنام . إرتعش الأب وقال : و هل أنت على علم بما رأت في المنام ؟ أجاب الطفل : نعم يا أبي فقد سمعتها عندما أعادت الرؤية على عمتي مريم ثمّ على الجارات هذا الصباح ، لا تقلق يا أبي ، نعم هو ولد كما رأت في المنام لكنه سليم معافى ، نعم يا أبي أقسم أنه سليم معافى و لذلك سمّته أمّي " محمد و كمال"..هكذا ولد بإسمين . لم يدري الأب أيصدّق الطقل أم يكذّبه ، لكنه بدأ يشعر بالإطمئنان على صحة الأم . إلتفت الأب لولده بعد فترة تفكير قصيرة و قال : إعلم "العمّة مريم" أنني قادم بعد حين ..أي بعد خروج الجارات...لا تنسى ...
    عاد الطفل للبيت المليئ بالنساء و أعلم العمة مريم بقدوم أبيه ، ففهمت ما يجب فعله ، و بدأت الجارات في المغادرة الواحدة تلو الأخرى ليتركن المكان لصاحب البيت . بعد نصف ساعة تقريبا خرجت العمة مريم من الحوش مزغردة و متباهية و مزهوّة بمهارتها في التوليد و "القبالة" و متجهة نحو زوج بنت إخيها و هي تقول : البشارة ...البشارة يا صهري العزيز إنه ولد و ليس بنتا تم أنه ولد "فارسي" و أخيرا إنّه و أمه في صحّة جيدة .... تبسّم الأب و نظر إليها شاكرا و وضع في كفّـها ورقة نقدية لا يجب أن يراها أو يعلم قيمتها أيّ أحد حتى يبارك الله عمل القابلة و صحة الأم و الوليد قأخذتها شاكرة بينما الزوج أسرع خطاه نحو بيته و تظاهرت العمة مريم بتفقّد البقرات و قنّ الدجاج حتى تفسح المجال للزوج للإنفراد و الحديث مع زوجته "النّـافسة" و رؤية وليده الجديد . دخل الزوج البيت و تبعه إبنه الصغير الذي كان بدوره يريد رؤية أخيه الرضيع الذي كان يودّ رؤيته لكن الجارات و العمة مريم منعنه من ذلك لذلك إقتفى أثر أبيه لينتهز هذه الفرصة الذهبية التي يمكن أن لا تتاح له ثانية إلا بعد أسبوع أو أسبوعين. لما وقف الزوج أمام فراش زوجته سألها: هل أنت بخير ؟ أجابت : "إن شاء الله لابأس " كان صوتها مرتعشا و ضعيفا و كانت منهكة فقد آلمتها هذه الولادة العسيرة "الفارسية" كما أنّ تلك الرؤية الملعونة أقضّت مضجعها منذ أشهر ، بعد حين أضافت : أتمنّى أن تكون هذه هي الولادة الأخيرة فجسدي و صحتي لم يعودا يحتملان ، يجب أن تحملني لطبيب " الحزامات" لقطع الإنجاب تماما مثل ما فعل زوج "عائشة " ها قد أنجبنا البنات و الأولاد فليباركهم الله و هذا كافي.... نظر زوجها إليها بحدّة ثمّ تجاهل كلامها فقد كانت تقول مثل هذا الكلام إثر كل ولادة لكن بعد سنتين أو يزيد تعيد الكرّة و تحبل. أخذ الأب الرضيع بين يديه و نظر في وجهه مليا ثم قال إنه يشبه المرحوم خاله ، أعتقد ذلك ، ثم أن خاله رحمه الله كان يحب ركوب الخيل، و ها قد ولد "فارسي" ، سأشتري له مهرا عندما يبلغ السادسة من عمره و أشتري له نايا فخاله كان من أمهر نافخي النّــاي ، الحمد لله أنه بخيرفهو كامل و لم يكن ناقصا كما قلتي ، فقد أرعبتني ، و الله أرعبتني بتلك الرؤية . صاح الطفل: أبي أرجوك أريد أن أرى أخي و أقبّله و أحمله بين يدي تماما كما فعلت أنت فقد منعوني من ذلك و نهروني بل و أرادوا طردي من البيت ، قال هذا وهو يتظاهر بالبكاء لإستدرار عطف أبيه حتى يبلغ مراده نكاية في العمة مريم و كافة الجارات و تحديا لأمه التي جارتهم في ذلك و لم تأبه به . أرادت الأم منعه لكن الأب دفع بالرضيع إليه و ناوله إيّاه فأخذه الطفل بين يديه كمن تحصّل على درّة ثمينة و قبله بينما راقبت الأم المشهد و هي تبدي عدم الإرتياح لقرار الأب و تمسك الطفل برغبته. إلتفت الزوج لزوجته قائلا : إذبحوا ما يكفي من طيور الدجاج هذه الليلة حتى أبتاع غدا لحما من السوق لا تتركوا النّساء دون عشاء ، أما أنا فسألتحق ببيت الضياف لأقضّي ليلتي هناك. هكذا كانت عادة الرجال عند ولادة نساءهم يقضون ما يقارب الأسبوع خارج البيت في بيت الضياف حتى يتيحوا حرية و حركة الجارات و النساء عموما لمساعدة المرأة " النّـافـس" وقضاء أمور لا يعرفها إلاّ النساء . نظرت الأم إلى زوجها و كأنها تعاتبه على سرعة المغادرة فقطع الزوج نظراتها قائلا : يجب أن أغادر فلا يعقل أن تأتي الجارات فيجدنني هنا ، إلحقوا بي غطائي و عشائي و جرة ماء إلى بيت الضياف و لا تنسوا الشاي شايا لي و للذين سيسهرون معي. لما خرج زوجها من البيت بقيت تفكر في كلامه ثم قالت في داخلها :" عجبا كيف لم أنتبه إلى أن إبني يشبه أخي رحمه الله ؟ نعم هو يشبهه ، " ثم ضمّت الرضيع إلى صدرها وهي تقول :" اللهم إجعله أطول عمر من خاله ، فقد مات خاله وهو في ريعان الشباب و كان موته صدمة قاصمة للعائلة و كل من عرفوه" ...إييييه ....رحمك الله يا أخي يا سيّد الرجال ...فقد كنت فارسا و صيادا و ذو قوّة و بأس شديد و نافخ ناي ماهر و "غنّايا" و شاعرا ، كان يمكن أن تكون بيننا اليوم لترى إبن أختك الذي يشبهك لو لم تقتلك تلك المرأة ....عجبي ....لرجل مثلك تعجز أمامه الرجال العتاة وتقتله إمرأة عجوز ؟ قالت هذا و سالت دمعتاها ...

    يتبع.......

    التعليقات
    4 التعليقات

    مدون بلوجر

    المشاركات الشائعة