• الرئيسية
  • قصة قصيرة
  • ادب عربى وعالمى
  • رجيم وصحة
  • سياسة الخصوصية
  • تواصل معنا
  • رؤية الشهر السابع -8-

    تحوّل البيت فجأة إلى قلعة نسائية خالصة ﻻ وجود للذكر فيها ، هكذا يفقد الرجال موقعهم في البيت ، فلا أمر و ﻻ نهي و ﻻ مكان للرجل في هذا البيت مدّة الأسبوع ، لن يتجرّأ أيّ رجل على إقتحام المكان فيصدم الطفل الصغير و يمتعض من هيمنة النساء و تحول المكان إلى مجتمع نسائي و يرفض الإذعان فلا يجب أن يغادر المكان مهزوما و تاركا موقعه للجارات اللواتي أصبحن صاحبات الأمر و النهي. و هكذا فجأة تتحول الأم الوالدة منذ ساعات إلى أميرة فبعد أن كانت خادمة الجميع حتى وهي في الساعات الأخيرة من حملها تتحوّل هكذا لتصبح على العرش النسائي تطلب فيلبّى طلبها بدون إعتراض و ﻻ تردّد.

    لحم فراخ الدجاج و حسو ساخن " للّـنافسة " و الكسكسي و بعض من التمرو الحلويات للجارات و ما بقي من هذا و ذاك للصغار، تلح العمّة مريم على ابنة أخيها و تحفزها على الأكل لتخرج من حالة الإنهاك و التعب الشديدين و تسترجع قواها فالرجل ﻻ يقبل بزوجة منهكة و ﻻ تقدر على تصريف أمور البيت هـكذا تقول العمّة و تأيدها في ذلك الجارات فتجتهد الأم الوالدة و تحاول تناول طعامها كاملا فتفشل و تعاد حصّة اللوم من جديد و بحدّة أشدّ فتعيد الأم الكرّة حتى تكمل طعامها حتى و إن إستغرق الأمر ساعة أو يزيد فتشعر العمة مريم بالإرتياح فهي كالمحارب الذي أدّى مهمته كاملة و نجح ايما نجاح. يتعالى البخور في أرجاء البيت لطرد الروح الشريرة الحاقدة التي لم تنل من الحبلى و ﻻ من جنينها و لم تستطع إفساد هذا الفرح و تتعالى الزغاريد من جديد مع كل هدية تقدمها جارة حتى على بساطتها فيكفي شيء من الحناء او كأس عسل صغيرأو قنينة من " الحرقوس" أو لفّة من السواك و " اللوبان" أو عبوّة من الكحل أو قارورة من زيت الإكليل و الزعترأو خاتما فضّيا كل هذا كاف ليكون سببا أكيدا للزغاريد و حتى ترانيم غناء نكاية في الموت الذي أخذ منهم يوما مّا " خضراء " و هي في حالة مخاض قاتل و تحديا منهم لمجتمع رجالي قاس يحرمهم حتى من لذة الغناء و الإجتماع كمثل هذه اللحظة ، يلزمهم أسبوعا للتمتع بهذا الإنتصارعلى الجميع ثم يعدن من حيث اتين لحياة شبيهة بحياة العبيد فيبقين هكذا في إنتظار عرس او ختان أو وﻻدة جديدة لذلك كنّ يتداولن على الإنجاب بصفة منظمة و عجيبة حتى يظمنّ أسابيع من الفرح و الخروج من حصار رجالي خانق و مفروض.

    في الصباح تناول العمة مريم النافسة فطورها ، شئء من التمر المخزّن منذ أسابيع في جرّة من زيت الزيتون و " بسيسة " من القمح الصافي بزيت الزيتون العسل و اللوز و الزبدة و كأسا من الحليب فهي تعتقد أن المرأة "النافس" يجب أن تستمر في أكل مثل هذا الطعام صباحا مدّة أسبوع كامل حتى يوم "الكبس" المنتظر و الذي بعده يمكن للنافسة أن تبدأ حركتها العادية لتقوم على نفسها بنفسها و لتدخل من جديد في حياتها العادية ثم أن إستدرار الحليب للرضيع لن يتمّ إﻻ بهذا النّظام الغذائي المتكامل التي كانت دائما تقترحه العمة مريم على كل النّوافس لتظمن صحّة الأم و الرضيع.

    في أخر يوم من الأسبوع يأتي يوم "الكبْس" المنتظر فاليوم تنتهي فترة إمارة الوالدة لترجع مقاليد الحكم لزوجها و تنتهي أيام أسبوع خالدة و مليئة بأحداث سعيدة و جميلة ،ستتناول فطورها الأخير و حساءها الأخيرالذي لم تطبخه يداها لتعود من الغد الى الطبخ و العمل المنزلي رويدا رويدا حتى يومها الأربعون. مع منتصف النهار قدم الجارات لمساعدة العمة مريم في عملية الكبْس ففي مثل هذا السن ﻻ يمكن لها وحيدة القيام بمثل هذا العمل. بعد أن تناولت الأم حساءها وبعد أن شربت شايا، قالت العمة : " لنتوكل على الله يا نساء ، قد أحضرت كل شيء لتنجح عملية الكبْس..." أخذت العمة وعاء من زيت الإكليل و قارورة من ماء العود الحار و أقداحا من من الخليط الذي ﻻ يعرف سرّه إﻻ العمة مريم و بعض الكبار من النساء اللّواتي يمارسن مهنة القبالة و التوليد التقليدية ، و أدخلت الأم لتأخذ حصة من الحمّام الساخن و الماء الشديد الحرارة ، و بعدها خرجت الأم من الحمام بعد كساها العرق من شدة الحرارة ، أمرتها العمة يأن تتمدّد على فراش أحضر خصيصا لهذا ثم بدأت في دلك جسدها بزيت الإكليل و ماء العود الحار و كلما زادت العمّة دلْـكا إزداد تعرّق الأم و احمرار و جهها و ضيقها و تبرمها من مفعول الخليط و الزيت و ماء العود الأسود الحارّ على جسدها على حدّ الألم الشديد . دامت حصّة تدليك جسدها ما يقارب السّاعة حتى ظهر الإعياء جليا على وجهها حينها بدأت بالتوسّل لعمتها و جاراتها بالكفّ عن التدليك لأنها لم تعد تحتمل الألم الشديد و حرّ إحتراق جسدها بمفعول الخليط . بعد هذه الحصّة وقع لفّ الأم بلحاف أبيض ثم لحاف ثان و ثالث و رابع و وقع لفّها و ربطها بأحزمة قطنية على شكل قماطة و كأنها رضيع مقمّط ثم وقع كبْس الأحزمة حول جسدها بشدّة إلى أن تعالى صياحها من شدّة اللفّ دامت عملية اللف و الكبْس مدة ساعة أخرى حتّى ظهر الإنهاك و التعب على الجميع عندها أمرت العمة مريم بحلّ الأربطة و تحرير الأم من من هذه القماطة . بعد هذه العملية و بعد أن إسترحعت الأم أنفاسها أمرتها العمة أن تستبدل لباسها و أن تنهض لتتمشّى قليلا و تقوم بحركات رياضية خفيفة إستعدادا للرجوع الى سالف نشاطها. نظرت الأم ألى عمتها شاكرة و ممتنة ، ثم قالت : " عـمّتي ألم تلاحظي أن الرضيع ﻻ يبكي و ﻻ يطلب " رضْعة" كبقية الرضّع ، شيء غريب فمنذ الصباح لم ينل نصيبه من الحليب و مع ذلك لم يبك و لم يطالب بحصّته ؟؟ '' فردّت العمّة: '' ﻻ تهتمّي للأمر قد يعود هذا الى عدم نهمه و قلة شراهته للأكل سنرى هذا في قادم الأيام...فلا تهتمي....'' تقبلت الأم كلام عمتها بشيء من الريبة و الحذر و شعرت لأول مرّة أنها ﻻ تصدقها أو أنها تخفي عنها شيئا، قأخذت الرضيع و ناولته ثديها فبدأ الرضيع في رضاعة نهمة و شرهة و هذا ما زاد حيرتها و قالت و هي تتمتم '' عجبي لهذا الرضيع الذي ﻻ يبكي ، هل هو أخرس ، أعتقد أن حتى الخرسان يبكون عند الجوع ؟؟؟ ''

    التعليقات
    3 التعليقات

    مدون بلوجر

    المشاركات الشائعة