• الرئيسية
  • قصة قصيرة
  • ادب عربى وعالمى
  • رجيم وصحة
  • سياسة الخصوصية
  • تواصل معنا
  • رؤيـة الشّهـر السّــابع -9-

    أعدْ فوهة البندقية إلى الأعلى ، إلى سقف البيت كما تركها أبوك منذ أسبوع ، إرجعْ الخراطيش إلى العلبة ، من أخرجها من مكانها ؟ عدّها ، كم هي؟ خمسة و عشرون خرطوشة ؟ .
    - لا يا أمي عشرون فقط
    .
    هكذا ردّ الولد وهو يتوجه الى أخيه الأكبر و كأنه يدرأ التهمة عن نفسه و يوجهها اليه ، صاحت الأم : يا شؤمي !!! من أخذ الباقي من الخراطيش ، أهو أنت ؟ سيعود أبوكم هذه الليلة و سيتفقد كل شيء ماذا أقول له ؟ أحدكما أخذ الخراطيش ، ماذا فعلتم بها ؟ ويلي و ويلكم من غضب أبيكم ، سيعود هذا المساء الى بيته لقد إنتهى أسبوع " نفاسي " ، يا بنت أعيدي الرّاديو على الرفّ الخشبي يالجانب الأيمن من مجلس والدك و امسحي عنه الغبار و بقايا مرور أصابعك عليه ، أعيدي غطاءه الأخضر كأنّ أحدا لم يشغله و لم تلمسه أيّ يد منذ أسبوع ، ضعي نعليه في الرّكن على اليمين و جرّة الماء و ضعي عليها غطاءها الفخاري و املئيها من ماء البئر الجديد ، ضعي البرنس على المعلاق الجداري و اكنسي البيت جيدا و اغلقي الباب و لا تتركي الدجاج أمامه حتى لا يزقّ و يوسخ المكان فأبوك يحبّ يجب لحم الدجاج و يـكره زقّـه ، قالت هذا و هي تبتسم و تعطي الأوامر من هنا و هناك كمن ينتظر ضيفا عزيز . بعد أن رتبت البيت كما تشاء و يشاء زوجها ، نظرت إلى إبنيها و قالت : سيكون مساءكما عصيبا لو تفقّد أبوكما الخراطيش و...وجدها ناقصة ، ألن تقولا الحقيقية؟ ستقولانها عند رؤية الكرباج خاصة أنت يا " حلّـوف " * و هي تقصد إبنها الأكبر، و هنا تدخلت العمة مريم و قالت : لن يحدث هذا العقاب و أنا هنا ، ثمّ يمكن شراء الخراطيش غدا من سوق البلدة و تعويض المفقود منها و هكذا ستمر الامور بسلام ، فقط لتمرّ هذه الليلة على خير و غدا يعمل الله لنا دليلا ، سأعطيك شيئا من النقود التي بحوزتي و التي ناولني إياها أبوك يوم ولادة أمكهم لشراء الخراطيش غدا و سيكون عليّ هذه الليلة تشتيت إنتباه والدكم حتى لا يتفقدها فلن أعود غدا لبيتي التي فارقتها منذ شهرين على الأقل إلاّ و أنا مرتاحة البال على الجميع ، أريد أن أطمئن و يهنأ بالي و أنا في بيتي .

    تعجّب الولد من إنقلاب مزاج العمة مريم من عجوز صارمة و شديدة البأس و عبوسة الى الى عجوز طيبة مسالمة و كريمة و مستعدة لبذل حتى مالها لإرضاء الجميع و عدم تعكير صفو هذا البيت و العائلة قد تكون فرحتها بإكمال مهمتها على الوجه الأكمل وراء هذا او إشتياقها لبيتها و رؤية أحفادها و ابناءها الذين فارقتهم طوال هذه المدّة جعلها على هـذا المزاج المرح . سيكون عليه مرافقها على ظهر الحمار لحمل أدباشها و مساعدتها للوصول في أحسن الظروف فكما قدمت قي ظروف حسنة تعود كذلك بـل و أحسن فقد قدمت في الحقيقة وهي منشغلة و خائفة على بنت أخيها من كل مكروه قد يحدث أثناء الولادة و تعود وهي فرحة بإنجاز المهمة و ببرهان المهارة على التوليد أمام أهالي صهرها و بهدية ثمينة من بنت أخيها و تتمثل في قميص من نوع " فضيلة " و سفساري من النوع الجيّد ستتباهى بهما أمام زوجات أبناءها الثلاث فعلاقتها بكنّـاتها لم تكن ودّية و يسودها الجفاء بل إن إحداهنّ رفضت أن يتم توليدها من طرف حماتها "العمة مريم " نتيجة هذا التجافي لولا إصرار زوجها الإبن الأكبر مما كاد يعـرّضها لطلاق أكيد و مع ذلك فقد أتمّت العمة مريم توليد كنّتها بحرفية كبرى حبّـا في إبنها و أحفادها و حفاظا على سمعتها في مهارة التوليد و لتثبت أنها لا تخلط الأمور بين الواجب و علاقتها بالأخرين.

    عند الغروب عاد الأب إلى المنزل و كان على غير عادته مبتسما و باشّـا حاملا معه قسيمة من اللحم ملفوفة بكاغذ بنّي و لفّة أخرى من التمر و قرطاسا من الكاكاوية و الشاي و السكّر ، و هي علامة منه على فرحه بسلامة الأم و شكرا للعمة مريم و تيمّـنا بالمولود الجديد، هكذا تقول الأصول و هكذا يجب أن تتم الأمور . لما دخل بيته جال بعنيه في أرجاءه ، نظر الى "الترنزيستورْ " ثم رفع غطاءه و قتحه ثم أغلقه ليتفقد بطاريته ، ثم ذهب الركن و فتح صندوقا لم يدري أحد ماذا وضع فيه أو أخذ منه فهو الصندوق السرّي الذي يستعمله ليضع أو يأخذ منه المال ثم نظر إلى البندقية فرأى أنها على حالتها العادية فالفوهة الى الأعلى و إتجاه الزناد و رباطه التأميني المقفل كما يريد فهو يحرص أشد الحرص على هذا الوضع حتى لا تنطلق من البندقية أية رصاصة طائشة فتسبب ما لا تحمد عقباه فالسلاح يجب أن يكون دائما جاهزا لكل طارئ و مؤمّن الزناد . فجأة إستدار و اتجه ليتفقد صندوق الخراطيش فارتعش الجميع و عضّت الأم على شفتيها خوفا و إشفاقا على ولديها من عقوبة صارمة و رغبة في أن لا يفسد هذا الأمر حالة السرور التي ظهر عليها زوجها منذ قدومه الى البيت و أن يمرّ سمر هذه الليلة بسلام قبل عودة عمّتها، لما تقدم الأب نحو الصندوق و مسكه بين يديه لفتحه تدخلت العمة مريم قائـلـة: يا صهري العزيز، أرجوك دعْ عنك كل هذا و تعالى لمساعدتي على قطع اللحم فأنا كما ترى لا أستطيع القطع لشيخوختي و لثقل السّاطور و زوجتك " نافس" و لا يجب أن تبذل جهدا كبيرا قبل نهابة الأربعين يوما و بنتك صغيرة و أخاف على أصابعها من الساطور الحادّ، أنت كعادتك لا تترك الجزار يقطعه بدلا عنّا و هنا تدخلت الأمّ قائله أن زوجها يخاف أن يختلط لحم الخرفان الجيّد بلحم شاة أنثى أو هرمة فهو لا يثق أبدا بالجزارين حتى و إن كانوا ممن يعرفهم فردّت العمّة : نعم إنّ زوجك محقّ في هذا . عندما وضع الأب صندوق الخراطيش قي مكانه دون فتحه و رجع الى الوراء و طلب الساطور و لفّة اللحم و قرضة الخشب تنفّس الجميع الصعداء و تأكدت العمّة أن حيلتها كانت نافذة و أنّها جنّبت الجميع وضعا لا يحسدون عليه. تكفلت العمة و البنت ذات الثالثة عشرة سنّا بطبخ العشاء على الموقد الحطبي الجاهز منذ المساء بينما تكفلت الأم بتكسير الفواكه و قلي الكاكاوية و تحضيرمستلزمات طبخ الشاي على كانون الفحم . بعد برهة من الزمن و بعد أن أتمّت الأم إحضار كل شيء من الموائد و الأواني والفناجين الفارغة المعـدّة لشاي سيأتي بعد العشاء ، نظرت الأم إلى زوجها لائمة و معاتبة و قائلة : عجبا ، أرى أنّك تفقّّـدت كل شيء في المنزل و كأننا كنّا نقيم مع لصوص إلاّ شئ واحد لم تتفقده !!!! ألا ترى أن أمرك غريب يا رجل ؟ فنظر إليها زوجها و رمقها مستفسرا : و ما هو هـذا الشيء يا إمرأة ؟ أومأت الزوجة برأسها في إشارة إلى إزدياد إستغرابها من زوجها ثم قالت : ألا ترى إبنك ، الوليد الجديد ؟؟؟ صحيح لقد أنجبت ما يكفي من الذكور حتى جعلك هذا تفقد شوق رؤيتهم ، الحقّ عليّ و على كل إمرأة ولود مثلي ، سيجعلني هذا أكثر إصرارا تحديد النسل و قطع الإنجاب تماما كما فعلت... وهنا قطع الزوج كلامها قائلا : و الله أنت محقّة ، كيف نسيت هذا ؟ أين هو و لماذا لم أستمع لصوته منذ أتيت ، نعم هذا ما جعلني أكاد أنساه...أين هو ؟
    أجابت الأم بعد أن إقتنعت بأن سهو زوجها مبرر بنوم الرضيع و بكائه النادر على غير عادة بقية الرضّع : هو في بيت البنات في "دوْحه" أنا لا أتعهّـده إلاّ بالرّضاعة خمسة أو ستّة مرات في اليوم و أخته تتعهّد بالباقي لقد أصرّت أن تكون متعهّدته و راعيته ، كم حاولت إقناعها لثنيها عن ذلك لكنها أصرّت ...نعم و أمعنت في الإصرار فلم أجد بدّا من الإستجابة فهي تريد أن تصبح أخته الكبرى و متعهّدته على غرار كبريات الأخوات في العائلات الأخرى. نظر إليها زوجها قائلا : لا بأس ..لا بأس ...يمكن لها ذلك ، أنا بدوري تعهّدتني أختي الكبرى و أحسنت تربيتي بعد وفاة أمي رحمها الله ، ثم أردف : هاتي به لأراه و أتثبّت في وجهه ، أعتقد جازما أنه يشبه خاله عليه رحمة الله.

    التعليقات
    4 التعليقات

    مدون بلوجر

    المشاركات الشائعة