• الرئيسية
  • قصة قصيرة
  • ادب عربى وعالمى
  • رجيم وصحة
  • سياسة الخصوصية
  • تواصل معنا
  • يوميات...رجل لم يفهم شيئا

    يقوم صباحا ، يترك قهوته على الطاولة، لا وقت لإرتشاف القهوة ، عند خروجه يتذكر أنه لم يصفّف شعره وأن الوقت يحاصره ، يرجع مكرها أمام المرأة ، يأخذ مشطا ، يتذكر أن الديكتاتور يهتم لشعره أكثر من شعبه ، رغم ذلك يصفف شعره مكرها ، لا يجب أن يذهب للعمل وهو أشعث ، قد يذهب للوزارة ، فاليوم يوم تجمع الأعوان بمؤسسة العمل ، ينزل بمحطة التي جي أم يجد الحافلة بانتظاره ، يصعد بجانب موزعة الهاتف الضريرة، تتعالى أصوات الزملاء صباح الخير صباح الخير، يظطر للرد عليهم واحدا واحدا ، تهمس موزعة البريد في أذنه : أريت التلفاز؟ لقد رجع الغنوشي وأستقبله الألاف من المريدين ، فيجيب عن مضض ، لا لم يكونوا ألافا بل قرابة الألف أو يزيد قليلا ، فتصر أنها رأتهم ، فيتمتم و يلعن هذا الصباح ، كيف لضرير أن يجزم أمر الألاف ، ويصر أخر أن بنات البيكيني إعترضنه و أن الغنوشي أشاح بوجهه عنهم، لعنة الله على هذا الصباح، ماذا لو نزل من الحافلة ؟ يتذكر الأعوان ، يجلس للإستماع عن مضض لبطولات الغنوشي، يأخذ جريدته يتلهى بالكلمات المتقاطعة ، يفهم الزملاء انه لا يريد الدخول في مهاترة عقيمة و أنهم لم ينجحوا في إستفزازهم ، تصل الحافلة مقرّ العمل ، تتصاعد أصوات غوغائية ، شعارات على وزن " الشعب يريد إسقاط الحكومة " و " اليوم اليوم وليس غدا" يجب أن يذهب للمشرب ، يطلب قهوة خفيفة و قارورة ماء ، يلتحق الجمع به ، يعرضون عليه شعارات ، "تشبيب المسؤولين " مراجعة عقود التامين على المرض" ، " ترسيم المتعاقدين " ، إنتداب أبناء أعوان المؤسسة" ، " تجديد كساء نساء التنظيف" ، مراجعة النظام الهيكلي " ، " سدّ الشغورات الوظيفية " ، " مراجعة مسألة الصناديق الإجتماعبة " ، "منحة الحجّ" ، "إعادة فتح المسجد " و..و...و...و ، تأتي رفيقته بجانبه ، تضع طاقية حمراء على رأسها و نظارة سوداء على عينيها ، تسأله : ماذا لو أضفنا لمطالبنا إستبعاد المدير العام و المدير المركزي؟ يرد : ماذا لو ذبحناهم جميعا ؟ ...الساعة العاشرة صباحا ، بدأ الإجتماع ، تتعالى الأصوات ، يختلط صخب الرجال بالنساء ، لا أحد يسمع الأخر ، الكل يتحدث ولا أحـد يستمع ، يعلو صوت عاملة التنظيف ، تشكو وضعها و تحرّش رئيسها في العمل بها ، تصيح أخرى لتكذب إدعاءها و لتضيف على هذا المسؤول قدسية الرّسل ، يصيح الزميل المتأسلم أن النساء يفسدن مجالس الرجال، و تصيح صاحبة الطاقية الحمراء : سكتت دهرا و نطقت شرّا ، يحتدم الجدل، أختلط الحابل بالنابل، يجتمع النقابيون لتدارس حزمة المطالب، يتحول الجمع أمام مكتب المدير العام، يخرج من مكتبه، يتودّد إليهم ، يناقشهم و يعلمهم في النهاية أن لا حول ولا قوّة له، الأمر بيد الوزير، أذا لنذهب الى الوزير أو من ينوب الوزير، يتراجع الجمع و يخفّ العدد، نقصد الوزارة تحت سيل من المطر، يرتعب الموظفون، يظنون أننا من الميليشا ، نطمئنهم و نهدئ من روعهم، يستقبلنا نائب الوزير بكل ترحاب، نائب الوزير الذي رفض إستقبالنا منذ أشهر، كان الرجل ودودا لبقا يكاد لسانه يحلب اللبؤة، عرضنا مطالبنا و استغرب لصمتنا طول هذة المدة ، شكرنا على صبرنا، كاد يبكي لحالنا،هاتف المدير و كان شديد اللهجة معه، لو كان أمامه لصفعه، أمـره أن يستجيب لأهم مطالبنا، نعود للمدير العام ، نحرّر محضر إتفاق بالشروط المتفق عليها مع نائب الوزير، يخرج حيث تجمع ما بقي من الاعوان، يبلغهم البشرى و نص الإتفاق ، يتعانق الزملاء و تزغرد بعض الزميلات، يصيح الجمع : يحيا الإتحاد تحيا النقابة ، هذه نقابة الرجال الصناديد ، صاحبة الطاقية الحمراء تغضب.......... يمتعض و يحسّ أن حلقه جفّ ، يشرب جرعـة ماء ، ما هذا الجحود ؟؟ ما هذه الذاكرة البائسة ؟؟ لماذا نسي الجمع الشهداء ؟؟ لماذا نسوا الثورة ؟ أكنا ننجز شيئا لولا دماء الشهداء ؟؟ بئس هؤولاء ، أحس بالجوع يقطع أمعاءه ، ركب وزمبل له السيارة و عادا لوسط العاصمة، المطر ينزل رذاذا في شارع الحبيب بورقيبة، البوليس يطارد بعض المتظاهرين الخائفين على مكاسب الثورة و الثائرين على جيوب الردّة، قمع وحشي و إصرار على التحدي من جمع الشباب، ما أجمل هذا الشعب و ما أسخف ذاك الشعب الذي كان معه صباحا، يشعر بألم و دوار، يحتسي بعض كؤوس من البيرة، يهمس النادل أن الحالة غير عادية و أن شيئا مّا يحدث في أعماق تونس و أن القصرين على صفيح النار، يتمتم ، لعنة الله على من نسي الشهداء.....
    التعليقات
    4 التعليقات

    مدون بلوجر

    المشاركات الشائعة