• الرئيسية
  • قصة قصيرة
  • ادب عربى وعالمى
  • رجيم وصحة
  • سياسة الخصوصية
  • تواصل معنا
  • زرقــة بـحـر...و مـوعـد (2)

    في الحقيقة كان يعشق صوت النساء منذ صغره و هو يميل للصوت الرقيق كيف لا وهوالذي تربّى من عهد صباه و نعومة أظافره بين أصوات أم و خالة و عمّة يشيه أصواتهن أصوات البلابل و هنّ اللواتي يجدن كل أصناف الغناء البدوي فقد كنّ قادرات على الإضحاك لما يغنيّن غناء الهزل و الإبكاء عند غناء فراق القريب و الإبن و الحبيب وراء المناسج أو الرّحى أو هنّ على المعاجن و قد كنّ يطربن لحدّ الإنتشاء و الذوبان بين طبقات الصوت لما يغنين اللّقاء أو غزل الأحبّة ،لذلك كان صوت المرأة أهم شيء يجذبه قبل حتى عيناها . عندما وضع الهاتف على أذنه أحسّ أن إرتطام أمواج البحر بالصخور قد يفسد عليه لذّة سماع صوتها و تبيّنه رغم انه ليست المرّة الأولى التي يهاتفها بل هاتفها في مضى لكن فعل و أثر النبيذ و ما يتركه من حبّ للثرثرة جعله لا يتبيّن صوتها بل وينساه صباحا لكن هذه المرّة قرّر أن يقلّل من الحديث و يكثر الإستماع ليصدر حكما نهائيا من جمال صوتها او عدمه . لما بادر بالسلام كانت نيته ان يبدأ بالحديث ثم يترك المجال لها ليستمع هذه المرّه ، فلما ردّت السلام وبدأت بالسؤال عن صحّته و عن حاله في الشغل و عن الطقس أحسّ للوهلة الأولى أن صوتها رخم عذب ينساب كالماء العذب وسط حلقها و لسانها و شفتيها و يتنغّم كزقزقة العصافير و حفيف اوراق الشجر فيدلّ على المخارج السليمة للحروف و على نبرة غنج و دلال لا يفهم كنهها إلاّ من خبر جمال أصوات النساء ،فهم من صوتها أن حوض فمها لا تشوبه شائبة و أن عنقها قد يكون يميل الى الطول و يلفّ حلقا لا يكاد يرى منه إلاّ الأثر ، كانت تتحدّث وهو تائه ومنصت و مشدوها كمن به مسّ من الملائكة الحور . بعدها نظر الى البحر فخيّل إليه أنه يراها تخرج إليه من بعيد كعروس البحر الأسطورية فينساب شعرها الأصفر على جسدها ليحجبه عنه فلا يرى منها إلاّ العينين الواسعتين و وجهها السّاطع بالنّور ، فيمدّ يده تجاهها ليمسكها من يدها فتهرب و تسحب يدها و تغوص في أعماق البحر فلا يجد سبيلا إليها فيتمنّى لو كانت له عصى موسي فيضرب البحر فينقلق الى شطرين ويعبر اليها راجلا و يأخذها من يدها و يلفّها في شعرها و يخرج يها الى شاطئ البحر . تاه في المشهد و نسي أصل الحديث فكانت تقول له أتسمعمي ؟ فيمهمه و يتظاهر بالإستماع ويضيع ثانية بين ثنايا صوتها الأخّاذ فيتيه ثانية و ثالثة...ظلّت تحاكيه و ظلّ يستمع حتى أحسّ أنه الوحيد الذي بقي على شاطئ البحر بعد أن كان مليئا بالعشّاق و أنّ كلّ هذا الوقت مرّ كلحظة و أن الشّمس بدأت تأخذ منحدر الغروب فأفاق كمن كان في حلم لذيذ بعدها هبّت نسائم البحر الباردة و شعر برعشة تسري في جسده فاختبأ داخل معطفه واحتمى به من لسعات البرد و كانت كما أنها تراه و تحسّ رعشته فاستأذنت منه في إنهاء المكالمة و طلبت منه أن يبادر بمغادرة المكان الذي برد أو سيكون باردا بعد حين فعرف أنها تراه و انها فعلا عروس بحر في هذا المساء الجميل فأمتثل لطلبها و قام من على الصّخرة لكن يده لم تستطع غلق الهاتف إلاّ عندما سكن و دلّ على أنّها أغلقت هاتفها عندها وضعه كالطفل الوليد في جيبه و قام ليرجع لبيته و صوتها السّاحر لا يغادر أذنيه حتى قطع سكة القطار دون أن يغيب عنه أنها هي فعلا أميرة البحار وسيدة الأفلاك حاكمة الأمواج و قد هوّن عليه و أسعده أنه سيكالمها ثانية في موعد قريب ليكملا حديثا لا ينتهي كأنّه الأفق ، إحتقظ بموعده و برنّة صوتها ككنز ثمين و دخل بيته ليغير ثيابه الى بدلة منزلية و ليضع عشاءه على الطاولة و يرتّبه و يزيّنه بنفسه كما يريد و يفتح قارورة خمر أحمر من النوع الجيّد الذي يحبّه ثم يجلس على كرسيّه و يسحب نفسا طويلا و يملأ كأسه الأولى فينزل الخمر رقراقا في وسط الكوب البلّوري أحمرا قاني كما الورد أو دم المسيح فيرتشف بعضا من كأسه الاولى ويمدّ يده الى الطعام ثمّ يفتح الحاسوب ليبحر مرة أخرى في بحار الأنترنات و ليستمع لأغنية طالما أطربته و رافقته في ليالي مدينة "الكاف" الباردة و الثلجية أيّام شبابه الأولى...

    يتبع....... .


    التعليقات
    7 التعليقات

    مدون بلوجر

    المشاركات الشائعة