• الرئيسية
  • قصة قصيرة
  • ادب عربى وعالمى
  • رجيم وصحة
  • سياسة الخصوصية
  • تواصل معنا
  • زرقـــة بــحــر...و مــوعــد (3)


    أحسّ أن إبحاره بحاسوبه سيفسد عليه عادته التي طالما حافظ عليها منذ أن عرف الخمرة و كلّما أتته رغبة الإستفراد بزجاجة النبيذ و مائدته و ها أنّه بعد كأسه الرابعة أحسّ بأنه يجب يتفرّغ للخمر ة و الموسيقى و ان إبحاره بحاسوبه يفسد عليه شيئا مهمّا وهو أن ينقطع تماما على العالم و أن يعيش كأنه الكائن البشري الوحيد على وجه هذه البسيطة و أن يتحول من إنسان عادي الى ناسك و ان يرتّب حصّة التعبّد بكل طقوسها و نوامسها كما إعتاد وأن يأخذ كأسه بيده اليمنى على أن يمرّرها لليد اليسرى ثم يمسكها بكلتا يديه و يتأمّلها و يرجّها رجّا خفيفا ثمّ يري فعل حمرة الخمر و اثاره على الكأس البلوري الرّفيع فإن ترك حمرة خفيفة زاد ولها بها حتى لكأنّها رحيق الروح و ضوء البصر، لذلك كان يختار كأسه و نوع خمره بعناية حتّى تنجح كلّ تفاصيل الطّقوس ، لكن هذه الليلة أحسّ أنّه يجب أن يدخل تعديلا هامّا قواعد جلسته ﻷنّ شبئا مّا لا يفارقه يؤرّق خشوعه ، فقد باتت صورتها لا تفارقه بل و أصبح يرى طيفها من خلف تلك الحمرة الخفيفة المرسومة على الكأس و يرى أن تلك الحمرة الخفيفة إنّما هي أثار شفتيها على الكأس، تساءل بداخله "هل إختلطت حمرة "الشّفاه بحمرة الخمر ؟ "ثم أن" هل أنّ ما يحسّه هو فعل الخمر أم فعل العشق ؟ بقي حائرا بين ان يختار بين حمرة شفاهها أو حمرة الخمرة وهل سيكون عادلا في حكمه ؟ . لأول مرّة أحسّ ان إنفراده بكأسه لن يكن كما عهد بل أنّ هناك ثالثا يشاركه جلسته بل و يقتحم المكان بدون إذن و لأول مرّة قبل بهذا الزائر رغم أن نواميس جلسته الإنفرادية لم تكن تسمح بذلك إطلاقا ، فجأة تذكّر أنّ عليه أن يكرم وفادته ضيفه و أن يكون أصيلا في ضيافته ، لذلك قام من مكانه و اتّجه الى رفّ الكؤوس و اخذ كأسا من صنف كأسه و عاينها برفق ثم أدارها من كل جوانبها و أخذ منديلا أبيض و مسحها جيدا حتى يزداد لمعان البلّور و شفافيته ثم وضعها برفق على الطاولة و ملأها حتّى جاوزت منتصفها و أخذ كأسه و نقره نقرا خفيفا على كأس الضيف النديم ثم قال بصوت خافت على صحّتك و صحّة الذي بيننا " و ظهر له أنه في حاجة للغناء و انه في حاجة لسماع صوت يشجيه منذ صغره وهو صوت فنانة لصوتها مكان خاص في قلبه منذ أن كان يغافل أبيه ليلا و يسحب منه المذياع من تحت الستارة التي تحجبه في" الطّاقة" الصغيرة. سيستمع اليها في أغنية " كي دار كاس الحبّ بيني و بينك"ثم دخل من جديد في سحنة ثانية من واجبات الطّقوس يسمع و يرتشف كأسا و يراقب أخرى لا زالت مليئة ثمّ يطبق صمتا حتى نهاية الأغنية و هكذا كان يملأ كأسه و ينتقل من أغنية الى أخرى فلمّا قاربت زجاجة الخمر على نهايتها كانت يستمع الى " أش يفيد الملامّ في قلب المضامْ" و عندما تصل الى " وعيون مثل السهام في قلبي رشقو" يشعر برجّة و بعطش شديد و أنه في حاجة أشد للخمر ، يقوم و يفتح قارورته الثانية ﻷنه شعر أن الحفل بدأ وأن خمره و نديمه رضيا عنه و أن قربانه و القدّاس بلغا المدى و أن حمرة الشفتين و حمرة الخمر تزاوجا و أن ذبول عينيها دلّ على إنتشاء ما بعده إنتشاء.ظلّ يرواح بين الكأس و الكأس و بين الصّوت و الصّوت حتى أحسّ أن المكان أصبح لا يسعه و ان الكأس ترقص على وقع ما يستمع إليه و تشاركه نشوته كما أن كأس النّـدبم بـدأت تتناقص بفعل ساحر أو ما شابه ذلك و ان اللّـيل ذهب أكـثره بل و يحـضره من الشعر ما حفظه منذ الصّغر

    نبّه نديمك قد نعسْ *** يسقيك كأسا في الغلـسْ

    يـدْعى فيرفع رأسه ***فإذا إستقلّ به نكــــــــــسْ

    عندها يدفع كأسه برفق و يغلق جيدا الزجاجة بما بقي فيها لليلة قادمة و عندما يقوم يشعر بدوار خفيف يتراجع و يقضم تفاحة كعادته عند كل نهابة خلوته مع الخمر و يوضّب المكان دون أن يلقي ما بقي من الخمر في كأس النديم فيحتار ماذا سيفعل بالكأس ؟ ثمّ يأخذه فيرى أثار شفتيها عليه فيشعر انها تدعوه لشربها ليتذوّق كأس الغلس و رحيق الشفتين فييفعل و يشعر أن هذه الكأس لن تظاهيها أيّ كأس منذ بداية القدّاس الخمري.

    يعود الى فراشه غير متثاقل و خفيفا كريش النّعام و يرتمي فوق غطاءه دون أن يكلّف نفسه عناء الإحتماء من البرد ، ومن أين سيأتي البرد وحرارة الخمر و العشق يلهبانه ؟ ثم إنّه إبن مدن و قرى الثلج لا يخيفه برد هذه المدينة القاحلة و الصاخبة . عندما توسّد مخدّته كاد أن ينسى كل شيء بفعل الخمر و السّهر الطّويل إلاّ شيئا واحدا لم يغب عن خياله هو صوتها الأخّاذ و الموعد القادم الذي ينتظره على أحرّ من الجمركأنّه طفل الفطام الذي ينتظر ثديّْ أمّه،بقي صوتها يدغدغه و يسلّيه حتى أخذه النعاس فنام...

    التعليقات
    2 التعليقات

    مدون بلوجر

    المشاركات الشائعة