• الرئيسية
  • قصة قصيرة
  • ادب عربى وعالمى
  • رجيم وصحة
  • سياسة الخصوصية
  • تواصل معنا
  • زرقـة بـحـر ...و مـوعـد (6)

    عندما رنّ الهاتـف فاجأه أنّها كانت في الإنتظار و أنّها أجابت منذ الـرنّة الأولى ، لما فتحـت زرّ الإستـماع قـال لها :

    أهـلا ...أنا أمام البناية مباشرة قبالة مدخلها أحمل هاتفي قي يدي اليسرى ، ها أنا في إنتظارك ثمّ صمت ينتظر ردّها ، لم تقل شيئا و أغلقت السمّاعة ، ذهـل و لم يفهـم شيئا ، هل تكون في الطريق إليه أم أنها لا تستطيع أو....شعر بالحرج و تبسم ليذهبما بنفسه من الحيرة لأن هذه الثواني أصبحت ساعات و لأن جوابها لم يكن واضحا و باتّا في المجيء أو عدمه ، تنحنح التفـت يمنة و يسرة و كاد ان ان يضع الهاتف في جيبه لو لم يتذكر انّ أمارته هو أن الهاتف سيكون بيده اليسرى فتراجع ثم مرّر يده على ذقنه بحركة تشيه الحكّ كأنما أراد أن يتأكد من أنه هو و أن ثـقته في نـفسه لـن تتزعزع ، لكنه في الواقع شك في نفسه ، وشعر بتعرّق خفيف يعتريه ، كان ينتظر جميع الأجوية و كلّ التعلاّت فقد يمنعها عملها من المجيء و التزامها المهني من الخروج مباشرة بعد المهاتفة ، أو تكون فقدت رغبتها في اللّقاء ، لكن لماذا صمتت ولم تردّ إمّا بالرّفض أو القبول ؟ تراجع قليلا إلى الوراء حتّى يفسح لنفسه مجالا أوسع للحركة و كسرا لجمود الإنتظار الثقيل و عندما إزداد شكّه في عدم مجيئها بدأ في قضم أظافره ندما على عدم مقابلتها أثناء سيرها في الطّريق ومباشرة بعد وصولها الى العاصمة . فجأة سمع وقع كعب حذاء على درجات المبنى " هذا وقع كعب حذاء نسائي " قـال في نفسه ، بدأ وقع الكعب يقترب قي إيقاع متناسق مع دقّات قلبه المتسارعة ، فهم أن القادمة تسرع الخطى و ذلك من تتابع خطاها ، فانتابه شكّ جديد ، فماذا لو كانت القادمة فتاة أو إمرأة أخرى ، و هنا تراءى له أن يكون حذرا حتى لا يخطىء حدسه و يتحرّج من خطئه مع واحدة أخرى لا علاقة لها بموعده فهذا جائز جدّا و ممكن الحدوث ، قرّر أن يتمالك نفسه و أن لا يبادر أيا كانت بالكلام. عندما ظهرت من بعيد في داخل المبنى إمرأة متردّدة تنظر إليه و تكاد تبتسم ثمّ تخفي بسمتها لقد كانت ترى هاتفه بيده اليسرى وهي الأمارة الأكيدة التي قدّمها لها منذ الحين ، كانت متأكّدة من أنه هو ، ولم يكن هو متأكدا من شيء إلا من تردّده و شكّه و خوفه من خطإ حدسه . عندما إقتربت منه نزعت نظارتها الشمسية و مدّت يدها إليه لتصافحه في تلك اللحظة تأكّد من أنها هي و أن حدسه لم يخنه هذه المرّة فمدّ يده إليها مصافحا ومبتسما و قائلا : إذا أنت هي ....؟

    قالت ضاحكة : نعم ....نعم أنا هي ....

    في الحقيقة لم ينتظر تأكيدا منها فعند سماع ضحكتها تأكـد ممّا لا مجال للشكّ فيه أنها هي فهـذه هي ضحكتها التي سبته ، و هـذا هـو صوتها الأخّاذ الذي أشجاه و أطربه كل هذه الفترة الماضية ، لذلك إبتسم إبتسامة عريضة و قبّلها قبلتين من خديها كانتا لاذعتين حارتين طالما إنتظرهما منذ زمن طويل. نظرا إلى بعضيهما بعضا و تعطّل الكلام بينهما فكانا لا يعرفان ماذا يفعلان بالظبط فقد أطالت النظر إليه فأرتبك و تزعزع ثم تماسك حتى لا يظهر وجله ، أعادت النظر إليه كأنها تربط صورة الواقع بصورة الخيال و تتساءلت بدورها " إذا هذا هو....؟ " . كان المشهد مفعما بالأحاسيس الفياضة الصامتة في ذات الوقت و كان عليه أن يكسر هذا الصمت و يقطع هذا الجمود خاصة و أنه لاحظ أنها تهمّ بالرجوع الى مقرّ عملها بالبناية في تراجع متثاقل منها الى الوراء عندها أمسكها من يدها ثانية قائلا : إلى أين تذهبين ؟ قالت : سأعود للعمل طبعا ، فقط أردت أن أراك و لو للحظات لأرضي فضولي و قضولك وها أننا تقابلنا في النهاية و رأيتك و رأيتني ثم أضافت بإبتسامة خفيفة : سنتقابل في فرصة قريبة جدا دون أن يكون لي أيّ إلتزام مهني ، أعدك بذلك ، عندما لاحظت إنزعاجه من كلامها و عدم رضاه عمّا تقول أردفت : أقسم أنني أعدك بهذا الرجوع في قادم الأيّام وعدا صادقا ثمّ أنني تركت زميلتي وحيدة و حقيبة يدي ليست معى فقد تركتها هناك عن غير قصد هي كما ترى ليست معي ، أرجوك أن لا تغضب ...نظر إليها معاتيا و أمسكها من يدها مرّة أخرى دون أن يشعر و قال : سنشرب قهوة هناك ، و أشار بيده إلى مقهى قريب ، سنشربها بعجالة فلا يعقل أن لا نشرب شيئا بمناسبة الموعد السّعيد ، فقط عشرة دقائق تكون كافية للرجوع للعمل ، أنا أصرّ على هذا مهما كانت إلتزاماتك المهنيّة ، لما رأت إصراره نظرت إليه متردّدة ثمّ إبتسمت في إشارة لقبولها الدّعوة...عندها إتجها نحو المقهى و عند الدخول لاحظ تردّدها ، طمأنها بأنّ المقهى مختلط و دعى النّادل الذي قدم لتوّه و طلبا حاجتهما من المشروبات.

    جلس قبالتها على الطاولة ثمّ نظر في عينيها الساحرتين ، يا الله ... كان جمال عينيها يزلزله و يهزّه هزّا حتى أنه يتحاشاهما لكي يعيد النظر خلسة كي لا يظهر أرتباكه و هو الذي استرجع المبادرة منها و نفّـذ رغباته التي أرادها بدعوتها منفردة فكان يتظاهر بعدم الإرتباك و يظهر أن الأمر عادي و أنه تغلّب على خجله المفرط المكبّل لمبادرته فبدأ يلقي أسئلته جزافا حتّى يقطع الصّمت و يعيد اللّقاء إلي إطاره العادي فترتاح و تهدأ و تطمئنّ إليه، كان يهمّه إطمئنانها و استأناسها به فكان يسألها عن مهمّتها المهنية و عن السّفرة و حركة الجولان بالطريق بين مدينتها و العاصمة ثم عن أحوال الحركة الأقتصادية بجهتها التي يعرفها تمام المعرفة و عن معالمها التّاريخية التي أعجب بها منذ الزيارة الاولى لها و كانت تردّ بسلاسة و حياء و كان يتعمّد إثارتها بالأسئلة ليتنعّم بصوتها الرّقيق و ليرفع عنها كل أرتباك. دخّنت سيجارتها الاولى التي كانت تقطعها بارتشاف خفيف للقهوة فينتبه إلى السيجارة بين أصابع يديها المكتنزتين الجميلتين و كان يتابع حركة الدّخان المنبعث في حركة دائرية الى الأعلى ثم لفت نظره جمال رقبتها و التهاف العقد حوله، هذا العقد الذي يراوح بين رقبتها و صدرها السّاطع البياض اليافع النّافر و ينساب بين أعلى نهديها ملامسا أزرار قميصها الأسود الذي ستر نفور نهديها و لم يخفيهما فكام سوادا على بياض وليلا يخفي وراءه قمرين متلازمين فتاه في جمال صدرها وعندما فاجأته بنظرة تدلّ بأنها لم يفتها تركيزه على رقبتها و صدرها ، غـضّ طرفه ، لكنها سألته وهي تبتسم : أأعجبك العقد ، أتريده ؟ ثم مسكت العقد بأصابعها كأنها تريد فكّه من حول رقبتها ، فارتبك من جديد ، وردّ عليها قائلا : لا..لا...فقط نظرت إليه لأتبيّنه ثم نظر بعيدا عن وجهها كأنه يريد أن تمر الى حديث آخر ، لكنها فاجأته مرّة أخرى قائلة: أذا لم يعجبك العقد إلى هذا الحدّ لم يكن ذوقي سليما ...؟ هذا هو العقد الذي حدثتك يوما عنه لما سألتني ما هي أنواع العقود التي تحيط رقبتي . فرد ّو قد غمره خجل عارم : العفو هو عقد جميل على .....ثم صمت . كان يقصد في داخله أنه عقد جميل على صدر رخاميّ أجمل ، بل كاد يقول أنه أصبح يغار من العقد فكيف لهذا العقد أن يحيط رقبتها و يتمدّد على صدرها كما يشاء بينما يراقب هو كل هذا الحسن خلسة مكبّلا بخجله . عندما دخّنت سيجارتها الثانية أشارت إليه برغبتها في المغادرة لذلك إنقطع المشهد الجميل و كل الخيال الشارد ، عندها قام من مكانه و دفع للنادل و غادرا المكان في إتجاه مقرّ عملها و عندما وصلا إلى باب البناية و همّت بالدخول و توديعه ، مسكها من يدها و قال لها : لو نقوم بجولة صغيرة أريد أن أريك بعض الاماكن التي طالما حدثتك عتها في الهاتف ، هي قريبة من المكان ، سوف لن نأخذ وقتا طويلا ثم يقي ينتظر ردّها . أجابت بموافقتها السّريعة التي لم يكن ينتظرها و سرّه ذلك و أفرحه أنه سيأخذ وقتا آخر معها . سارا معا في الأنهج و الشوارع يصف الأمكنة التي هاتفها منها و حتى تواريخها ، فكانت تردّ بالايجاب و بأنها لم تنسى إلا النزر القليل ، مسكها من يدها و ضغط برفق عليها فأحسّ برعشة و فهم أنها تخفي إرتباكا بدورها و نظر في وجهها فرأى أنه تعلوه إبتسامة و انشراح فتأكد من أنها بدأت تطمئن له و أن جزعها و خوفها بدأ ينجليان و أن تقاسيم وجهها تبدي سعادة لا توصف . ظل مُمْسكا بيدها كمن يخاف على بنت صغيرة من الضياع في زحمة المدينة و يسترق النظر إليها بين الحين و الآخر فهو لا يريد إحراجها بمزيد من الطلبات فيفسد متعة هذا اللّقاء الخاطف الذي بدأ يقارب السّاعة بعد أن كان مبرمجا لعشر دقائق فقط . عندما قالت له أريد العودة أجابها بالسرعة المطلوبة بالموافقة حتى لا يثقل عليها و لا يفسد جولتها الخاطفة فعادا لتوّهما إلى مقرّ العمل و عند الوصول الى المبنى و دّعها بقبلتين ظل يحتفظ بهما في ذاكرته ككنز ثمين و ظلّ يراقبها إلى غابت عن أنظاره بعد إيماءة تحية الوداع .

    غادر المكان في إتجاه الحانة المعهودة و طلب قنينة نبيذ و ما يصحبها من الأكل و ظلّ يـداعب كأسه و يشرب دنانه و يعيد الشريط الصباحي الجميل فيتبسّم و يتلذّذ بكأسه و لقائه و ملامح حبيبته الرائعة. عندما أتمّ القنينة همّ بالرجوع الى بيته لكن فضوله دفعه للشّارع الرئيسي ليتبيّن مسيرة نسائية و محتوى شعاراتها و بينما هو يقترب من المسيرة إذ سمع صوتا نسائيا يناديه فالتفت فجأة فوجدها مع زميلتها خارجة من المسيرة بعد أن شاركت فيها للعودة الى مدينتها ، يال المصادفة السعيدة ها كتب القدر أن يراها ثانية دون موعد ، تبدو سعيدة بلقائه و هذا ما أفرحه وأدخل في قلبه السرور ، إذا فقد نجح الّلقاء الذي طالما تحاشاه رغم رغبته الشديدة في رؤيتها ، سعد لسعادتها و لعلامات الإنشراح على وجهها فلم يضطرب بل تقدم منها وسلّم عليها و على زميلتها ملقيا نظرة جديدة عليها و متطلّعا في عينيها من جديد ثم سألها : الى أين ؟ قـالت: سوف نعـود ، الوقت يـداهمنا كما ترى و يجب العـودة قبل أن يداهمنا اللـّيل ، أشار برأسه بالـموافـقة و ودّعها من جديد و طلب منها أن تهاتفه عند وصولها ليطمئن على سلامتها . في الأثناء هاتفه أصدقاءه في إحـدى الضواحي الشمالية للعاصمة لدعوته لعشاء بمناسبة سعيدة فلبّى طلبهم فهؤولاء هم أصدقائه المحبّذون و دعوة مثل هذه الدعوة يجب تلبيتها فهو يحتاج سماع الموسيقى و مشاركتهم الفرحة . عندما يصل يكتشف أن الجوّ رائق و المكان خلاّب و أن الخمر لذيذ و أن الصوت حسن فيطرب و يطلب المزيد من الغناء و الموسيقى فتشفى نفسه من عللها القديمة و يدفن كل أحزانه في قاع البحر المترامي أمامه و يشعر أنه أسعد رجل في العالم و أن هذا اليوم الرائق هو هدية من السّماء ، وهو على تلك الحال و في ذلك الجوّ الصاخب يرنّ الهاتف فينتفظ من مكانه و يتبين الإسم من الشاشة فيرتعش و تطير بعض سكرته و يقوم مسرعا متجها نحو الحديقة المقابلة لنافذة المطعم و يظغط على زرّ السّماع برعشة تشوبها جدية كبيرة...

    التعليقات
    8 التعليقات

    مدون بلوجر

    المشاركات الشائعة