• الرئيسية
  • قصة قصيرة
  • ادب عربى وعالمى
  • رجيم وصحة
  • سياسة الخصوصية
  • تواصل معنا
  • زرقــة بــحــر...و مــوعــد (7)

    حدّق مليّا ثمّ إبتسم عندما عرف أنها هي ، و أن الموسيقى و الكأس و الأصدقاء سرقوه منها ، و أن الوقت مرّ دون أن ينتبه. لما ضعط على زرّ الهاتف لم يتوقّع لومها المفاجيء فهي لا تعرف أنه في جلسة خاصّة مع ثلّة من أصدقاءه ، أراد إستباقها بالسؤال تحنّبا للحرج و اللّوم قائلا : هـل وصلتي في هذه اللحظة ؟ فردّت معاتبة : صحّة النّوم ...ألا تعلم أن الرّحلة تدوم ساعة على الكثير خاصة بالطريق السريعة ؟ نعم قد وصلت منذ نصف ساعة أو أكثر. فردّ كنت أظنّ أن الأشغال القائمة بالطّريق ستأخّر وصولك ، الحمد لله على السّلامة ، قلبي معك ، تمنيت لو رافقتك في رحلتك لو لم تكن معك مؤنسة و كان يقصد زميلتها . قالت :هه... لذلك كنت تطلبني بين الحين و الآخر ، ثم بعد أن قالت هذا أرادت إعفاءه من الإحراج و اللّوم فقالت له : أين أنت الآن ؟ ردّ في الحين : أنا الآن مع أصدقائي في الضاحية الشّمالية للعاصمة ، في مطعم على ضفاف البحر . قالت لكنّني لا أسمع شيئا من حولك و كأنك لست في مطعم أو أنت في مطعم قفر ؟ ردّ: لا... أنا خارج المطعم في الحديقة الأمامية ، هي حديقة جميلة واسعة عشبها مخضرّ متساوي العلوّ و الأزهار يانعة متفتّحة تأخذ النّظر و تفرض عليك ملامستها و إستنشاق عطرها يقابلني البحر بهيته و سكونه ، كم كنت أودّ أن تكوني بجانبي إنه مكان رائع حبيبتي، حقيقة أنا لا أعرف هذا المكان من قبل . بعد أن شعر أنه تجاوز حالة الحرج من تناسيه الغير مقصود لها أو أنها تفهّمت سهوه سألها : وأين أنت الآن ، في البيت ؟ أجابت : لا...أنا في سيّارتي على شاطىء البحر أتأمله و يتأملني لي رغبة وحبّ في مساءات البحر وصباحاته فأنا أعشق تراشق و توازي أشعّة الشمس بأمواج البحر الخفيفة ، أتلذّذ سيجارتي و أنفث دخاني في إتجاه غيمه و أحكي مع أمواجه و أجادله و يأخذني يمّه الى ما لا نهاية الزّرقة و أشعر أنه يتودّد اليّ ويمدّ يده إليّ ليأخذني اليه فأتمنّع و أشيح عنه بوجهي فلا أرى إلا أنّه يزيد إصرارا على ملاحقتي ، إنّه البحر الذي أحببت منذ صغري و لا أراني أبرأ من حبّه، أنت تراه جميلا ، و أنا أراه فاتنا جذابا .... لم يستسغ غزلها بالبحر الى هذا الحدّ فهو فهو يعشق البحر و تعجبه زرقته لكن ليس لحدّ الولع و التيه فكثير من الأشياء وجدت في الطبيعة لتحبّ و على الإنسان أن يوزّع حبّه بشيء من العدل إن أمكن ، ثمّ أن غيرته من حبّها الكبير للبحر و خوفه من أن يكون المنافس الشرس على قلبها جعل نبرات صوته تتبدّل إلى جدية أقرب منها الى الحدّة و هنا قطع كلامها قائلا : تركت كأسي على الطاولة داخل المطعم سأقطع المكالمة لحين أخذ الكأس و الرجوع للمكالمة الهاتفية. قطع المكالمة دون إنتظار ردّها فقد أقلقه أن تصف البحر بكل هذا الولع و شعر بحرارة و دوران دم في جسمه على غير العادة فاتّجه مباشرة الى داخل المطعم ثمّّ الى الطاولة أين وجد أصدقاءه يترعون ويغرقون في سكرهم ولما وصل إنتبهوا إليه فرأوا أنه على غير عادته فقد أضاع بشاشته و ذهب عنه شرهه للغناء فتبادلوا النظرات فيما بينهم دول أن يسألوه ، أخذ الكأس من على الطاولة ، وجد أن الثلج ذاب ، و أن " الدجين " أضاع برودته التي يحبّذها و التي بدونها لا يستسيغ له طعما ، أشار الى النّادل أن يأتيه بالثلج ثم أضاف جرعة ثانية من " الدجين " على الجرعة الأولى للتتضاعف و وضع أربع قطع من الثلج عليها و عاد من حيث أتى . وصل الى المكان ووضع كأسه أمامه و تأمّلها جيّدا فلاحظ أن أشعّة شمس الغروب تسطع في حبّـات الثلج فيلمع كأنّه قطع من الكريستال أو كحبّات الجواهر فيزيد الكأس رونقا و جمالا و يتلألأ الخمر و يميل الى لون البلاتين و يسيل عرق خفيف على دائر الكأس فيصبح مشهد الكأس كلوحة رسّام ، فيتيه في الصورة ، ثم يتذكر أنه يجب عليه معاودة المهاتفة قبل غروب الشمس فقد يكون المكان الذي تنتظره فيه خال من النّاس ، فيهتف اليها و قد تبدّدت بعض غيرته من حبّها للبحر و تجيبه على الفور قائلة : قد تأخرت كثيرا ، قلقت عليك و بقيت أنتظرك رغم أنه يجب أن أعود فقد بدأت الشمس تميل إلى الغروب ... هل هناك ما يشغلك حقّا ؟ أجاب أبدا لا... ماعدى إنّني أرتّب كأسي و أجهّزه و أمنحه ما يلزم ليصير لذيذا ، آه... لو ترين تلأْلأ الكأس يا حبيبتي ، و ما يفعله بأشعة الشّمس المائلة للغروب، سباني كأسي و أضاع دليلي ، كم هو جميل أن تنفرد به في هذا المكان ... وهنا نفذ صبرها و قد ضنّت أنّ غيابه كان لأمر غير الكأس و قالت بنبرة جادّة : إذا سأعود و سأتركك و كأسك ما دام الكأس يشغلك عنّي بل و يضاهي أو يزيد جمالا عمّا ترى أو تسمع ، عمْت مساء أيّها المفتون بغيري ... فهم أنه أثار غيرتها عن غير قصد و أنه يجب أن يعيد ترتيب الأمور ، و أنه فعلا أسرف خمرا و مدحا للكأس فتراجع في شبه إعتذار قائلا : لن يشغلني أحد غيرك حبيبتي ، ها إنني تركت الأصدقاء و حفـل الموسيقى و ما يشاركنا الجلسة من الجميلات اللواتي لا يعادلن حسنك و لو ولدتهم أمّهاتهم ثانية لكنت الأجمل و الأكثر مكانة في قلبي ، إنّما جهّزت كأسي لأراك من خلاله فبريق الكأس و لمعانه يفتحان و يضيآن الطريق لأرى ما لا يراه عاشق قبلي و لأسمع ما لا سمعه سامع قبلي فكأسي يدلّني عليك إن خانني بصري أو أخطأت الطّريق ، لا تذهبي يا عاشقة البحر دوني ، من كان عليه أن يغضب ؟ أأنا الذي جعلت كأسي مصباحا و سراجا لأقطع هذه المسافات الي قلبك و أنظر في عينيك و أتحسّس حاجبيك بأصابعي و خديك براحتيّ و شعرك بأناملي أم أنت التي جعلت البحر سدّا و حاجزا بيني و بينك فراكب البحر إليك تعوزه المراكب و الجذّافين فأمّا غرقَ في قاع اليمّ أو الموت إنتظارا على شاطيء البحر ؟ أجيبي حبيبتي ، أأطلق كأسي فأصاب بالعمى و أضيع الطريق أم أصحبه فأرتوي ثمّ أراك أمامي واضحة كالحقيقة ..؟ تعالى ضحكها و قد علمت أن لا حيلة لها أمامه إلاّ أن تصدّقه و تقبل عذره و تتناسى غيرتها من كأسه ما دام الكأس هو مصباح الطريق إليها فعدلت عن مغادرة المكان رغم الغروب و علم هو انّ ضحكها هو علامة ذهاب جزعها و شيفرة مفتاح سعادتها فسرّه هذا و أخذ كأسه و تأمله جيدا ثم تناول جرعة أحسّ بعدها بشيء من الحرارة و وميض الإحتراق في حلقه ثم في صدره و شعر بعدها بحلاوة "الدجين" تعمّ حوض فمه و حلقه و خرج من فمه ما يشبه البخار الخفيف فاخذ نفسا طويلا و أعاد الكأس الى مكانه ثمّ سألها قائلا بعد جمع كلّ شجاعته و كأنّه تلميذ يتطلّع إلى نتيجة إمتحانه العسير: هل كنت سعيدة هذا اليوم و هل كان اللقاء غير مخيّب لما إنتظرته ؟ ضحكت مرّة أخرى و قالت : لو لم يكن كذلك لما طلبتك ...هل يحتاج هذا الى تفسير... ؟ شعر بإرتياح شديد ثم أخذ كأسه و شرب جرعة أخرى على نخب هذا الخبر السعيد الذي أرّقه و سبب له ما يشبه الحرج ... بينما هو كذلك يأتي أحد أصدقاءه معاتبا : أظنّ أنّك لن تشاركنا السّهرة هذه اللّيلة صديقي ، إخترت منادمة كأسك و هاتفك و وحدتك و تركتنا هكذا ، ألا تعجبك السّهرة عهدي بك تحبّ الغناء و الموسيقى فما بدّلك الليلة ؟ قال هذا وهو في الطريق إليه ، ففهم أن الوقت حان لقطع المهاتفة خاصّة و أن الشّمس غربت ثمّ أنّ حبيبته يجب أن تعود قبل أن يجنّ الليل و يحل الظلام فغازلها للحظات كعادته واستودعها خيرا ثمّ إنسحب من المكان إستجابة لدعوة صديقه و شعورا منه بالحرج لإطالة المهاتفة ...

    يعود لطاولته فيجد أن أصدقاءه في قمّة السّكرة الشيء الذي جنّبه الكثير من اللّوم و أراحه من مشقّة التعليل ، فيزيد من جرعات "الدجين" و يفقد شاهية الأكل فيأخذ قطعة من المرطبات و يضعها أمامه ليتناول منها و يحدّ من حرارة الخمرة و ينظر من حوله فتتحول الموسيقى الى ما يشبه الصخب و يتعالى الضحك و يختلط الحابل بالنابل و يملا السّاحة الرّقص على إيقاع موسيقي متسارعة الإيقاع فينظر في جمع ممن يرقصن من المدعووات و يتساءل في نفسه " عجبي و لا واحدة تشبهها ، نعم و لا واحدة تشبهها ؟؟ هي أجمل منهمنّ جميعا و مجتمعات " يتبسّم دون أن يراه أحد و يعود الى كأسه و طيفها الذي لم يغادره منذ أن عاد من حديقة المطعم ، ويشعر أن هذا الصخب الموسيقي أثقل عليه و بدأ يوتّره و أنه في حاجة لموسيقى هادئة أو إلى صوت غناء نسائي آت من أعماق الرّيف ، صوت يسحبه من هذا الصخب المضجر و هنا يقف من مكانه و يشير عليهم بالكفّ فيتساءل البعض من هذا الذي يسمع و لا يطيق ؟ و بينها هو كذلك تهاتفه ثانية و تسأله : ألم تعد للبيت لحد الآن ؟ و تفهم أن أسرف في الشّرب فترجوه أن يعود لمنزله ، فوجد ذلك الطلب صدى حسنا فاستجاب بعد أن إعتذر لأصدقاءه و عاد للبيت إمتثالا لطلبها و رغبة منه في المغادرة ... كان ثملا لحدّ لا يوصف ، و كانت رغبته في الّنوم لا توصف فقد أضرّ به صخب الموسيقى و أتلف أعصابه .....

    يتبع...

    التعليقات
    6 التعليقات

    مدون بلوجر

    المشاركات الشائعة