• الرئيسية
  • قصة قصيرة
  • ادب عربى وعالمى
  • رجيم وصحة
  • سياسة الخصوصية
  • تواصل معنا
  • تــعــلــيــق مــطــوّل حول بوست الصديقة "ولاّدة "


    هذا تعليق مطوّل حول بوست الصديقة " ولاّدة " ...قفصة .. من الذاكرة إلى العنف

    في سنة 1982 كنت شابّا في بداية العشرينات و كنت اتحمل مسؤولية نقابية في قطاع المناجم و كان هذا مبعث فخر أن أكون نقابيا ناشطا في ميدان المناجم الشيء الذي ينسجم مع أفكاري الطبقية الموالية للفقراء و اليسارية عموما حيث مكنني هذا من معايشة العمّال في الداموس و الأطلاع عن كثب عن البؤس و الحالة المزرية التي يعيشها عمال المناجم بعيدا عن التنظير و الكتب و الوصف المتأفف البعيد عن الحقيقة ، كان هذا مبعث إعتزاز أن أتناول كأس شاي و أتقاسم الخبز و الماء مع العمال على بعد عشرات و مئات الامتارتحت سطح البحر أن تفعل هذا على ضوء " لمْباره" أي فانوس شيء لا يوصف ان تتحدث اليهم على مشاكل العمل و التأجير و حوادث الشغل و حتّى المسائل العائلية و الخاصّة و السياسية (أي نعم) و أنت في قلب الداموس بعيدا عن أنظار الوشاة و البصّاصين من أذيال النظام البورقيبي الشرس و الأرعن الذي يأخذ بالظنّة و الوشاية الفارغة ، أن تفعل هذا يعتبر عمل فيه الكثير من اللذة و التحدّي الشيء الذي يشعرني يسعادة لا توصف. ما يزيد سعادتي حقّا هو أنني سأطلع على العالم المنجمي في تونس عموما أي من مناجم الزنك و الرصاص و الحديد في الشمال التونسي الى مناجم الفسفاط في الجنوب و بحكم عملي في البحث المنجمي و نشاطي النقابي فقد زرت مناجم الشمال منجما منجما و هنا تتفاوت درحات التّعاسة و البؤس بين عمال المناجم حسب طبيعة المنجم و موقعه الجغرافي و الجيولوجي و العوامل الأنسانية الأخرى... ما بقي مجهولا في عالمي هو مناجم الجنوب (قفصة ) أهلها نقابيوها مناضلوها رغم أن لي فكرة مسبّقة إيجابية بل و تصل حدّ الإعجاب بما وصلتني من أخبار و ما قرأته في تاريخ مقاومة الأستعمار الفرنسي او من ثورات ضد الباي أو غيرها...

    في بداية 1984 حضرت أوّل مجلس قطاعي منجمي في العاصمة و كانت هذه أول فرصة كي أرى و أتعرّف على أكبر عدد ممكن من النقابيين المنجميين لضرورة حضور كل الكتاب العامين للنقابات الأساسية المنجمية و ما أنعش المجلس و اضاف له هالة خاصة هو إصرار الزعيم السّابق الحبيب عاشور على الحضور لأعمال المجلس و إشرافه شخصيا على المداولات و كان وقتها الحبيب عاشور بدأ حربا كلامية معلنة مع الوزير الأول السّابق " محمد مزالي"

    و كان يحرص حرصا شخصيا أن يكون قطاع المناجم بجنوبه خاصة و شماله الى جانبه في صراعه و حربه مع حكومة "مزالي" لذلك أصرّ على الحضور ( القطاع كان يعدّ 28000 عامل )... و كان قد " أكرم " قفصة حسب إعتقاده بأن ألحق" أحمد رميلة " بالمكتب التنفيذي للإتحاد العام التونسي للشغل بناءً على مفهوم جهوي بحت حيث يصبح لقفصة ثلاثة مقاعد في المكتب التنفيذي و هم أحمد رميلة و خير الدين بوصلاح و المرحوم و احمد بن قدور لأن الفكرة السائدة في أتحاد الشغل و هي غير معلنة طبعا لتعارضها مع الفكر النقابي الصحيح الذي لا يعترف بالجهوية و العروشية هو أن يهيمن على قيادة الإتحاد القراقنة و القفاصة لذلك نجد انه بناءً على الثلاثة قفاصة هناك كذلك ثلاثة قراقنة و هم الحبيب عاشور و عبد السلام جراد و على رمضان ، إذا فالتقسيم أصلا داخل الإتحاد مبني على أساس جهوي/محلّي ( و هذا مسْكوت عنه) و كان أغلب الأمناء العامين للإتحاد ما عدى إسماعيل السحباني الذي كانت سلطة "بن عليّ "خاصة ظغطت لتعيينه في مؤتمر سوسة 1989 أو أحمد بن صالح الذي كان بورقيبة وراء عزله من الإتحاد بطريقة إنقلابية في 1956 وهو ما مارسه بن على مع السحباني عندما عيّن عبد السلام جراد مكانه في على ما أظنّ2001...

    ما لاحظته كان صدمة بالنسبة لي أثناء أشغال المجلس أن تدخلات الكتّاب العامين للنّقابات للمؤازرة الامين العام كان مشخصا فيه ( سي لحبيب) و ليس في المنظمة النقابية و كان ذو إتجاه عروشي جهوي مقيت و هذا بمباركة و تشجيع مصرّح و معلن من طرف عاشور و القيادات القفصية الاخرى ،كان عاشور يتوجه بخطاب مفتخرا قائلا للمسؤول الاول للجامعة العالمية للمناجم الذي حضر المداولات أيضا ، هؤولاء هم رؤوس الحديد ( يقصد عمال مناجم قفصة) ضحك المسؤول لأنه فهم عكس ما أراد عاشور و لأنّ الرأس الحديدي لا يصلح للتفكير، فهمت و قتها أن الرؤوس الحديدية هي التي تقود المنظمة النقابية و خاصة عمودها الفقري .

    بعد أن وافقت النقابات بعد مناورات و احابيل من طرف قيادة الإتحاد على إعادة هيكلة المناجم في سنة 1992 و فتح الباب أمام شركات المناولة التي إستأثر بها العديد من الوجوه التجمّعية/النقابية بما فيها الكاتب العام للإتحاد الجهوي بقفصة الذي أصبح صاحب أكبر شركة مناولة في ميدان الحراسة و هناك من أصبح في مناولة الأشغال من جرّفات و رافعات و شاحنات هؤولاء" النقابيون " الذي يندّدون بالمناولة في اللوائح و ينشؤون شركات ليلا بمباركة إسماعيل السحباني و عبد السلام جراد المتورطان في لجم النقابيين او طردهم من الإتحاد او حتى التسبب في قطع أرزاقهم أو بتعويم القيادات النقابية في الفساد ة الإرتشاء و شراء الضمائر و الرحلات و كل أساليب الإغراء

    ...

    عملية التفقير و النزول من 28000 عامل سنة 1983 الى 4500 عامل سنة 2010 جعل الحوض المنجمي يختنق و وقعت عملية نزوح كبيرة نحو المدن الساحلية و العاصمة و رجعت ظاهرة العروشية الى ظلماتها الاولى و قد غذاها المستفيدون من الفساد من نقابيين و دساترة تجمعيين خاصة بعد أحداث الرديف و ما تبعها من تصفية ممنهجة و طرد و سجن العديد من النقابيين النزهاء من طرف السلطة الحاكمة تحت مباركة و صمت قيادة الإتحاد ما عدى القلة القليلة التي لن تستطيع فعل شيء يذكر...

    منذ 1985 لم تعد قفصة ولا القفاصة بكل أطيافهم الى حالة التسامح، هاجرها مثقفوها الذين حاربوا العروشية، عمّت الأنانية ، فقد الكثير قيمهم ، عمّت ظاهرة الحقد الأعمى على الآخر ، خصومة بين أولاد سلامة و الفراشيش يسقط 3 ضحايا في مارس ؟؟ لا أحد تحرّك ، حرب بين الجريدية و أولاد بويحي يسقط 13 ضحية ، خفت صوت العقلاء ، المال أخفت الحق سابقا ، العسف أجهض مشاريع العقلاء ، عقلاء المدينة غادروها لأن صوتهم لم يعد مسموعا ، لأن يد الفساد من التجمعيين و النقابيين الفاسدين أصبحت تضرب دون رحمة ، لأن اللصوص لا دين لهم ، و لا لون لهم ، سقطت قيم كبيرة، تبلّد الذّهن فسدت الإخلاق ...

    ما زاد وجعي أن صديقي نورالدين أصيل المتلوي بقي يصيح في شوارعها كالمجنون بعد أن جردوه بمؤامرة خسيسة من مسؤوليته النقابية ، لأنه كان أحد الرافضين لبيع قطعة أرض تقدّرمساحتها بهكتار و نصف بسيدي بوسعيد مخصّصة لمصائف أبناء عمال المناجم و التي كان الأمين العام للإتحاد ( حلوة الامين العام) و بعض النقابيين النافذين و الضالعين في الفساد يريدون التفويت فيها بالبيع و السمسرة على شاكلة هضية سيدي بوسعيد التي إستولى عليها الطرابلسية ، قلت رأيته في نشرة الثامنة مساءً يصيح "أن تعقلوا أيها الناس فنحن في حاجة لبعضنا البعض ، نحن أصهار و شركاء في الهمّ ، نحن أبناء عمومة و أبناء وطن واحد....و لا أحد يسمعه" . كنا نسهرفي بداية التسعينات أنا و هو و حسن و المهدي نناقش مسألة المحاصصة القبلية و دورها الرئيسي في الضغينة و الحقد بين أهالي المتلوي وأمّ العرايس والرديف ، و كنا لما نعرص المسألة على النقابيين يقع إتهامنا بالشيوعية او التطرف اليساري من طرف هؤولاء الفاسدين ....

    كان الحبيب عاشور وفيا للعروشية و الجهوية و من بعده إسماعيل السحباني الذي ثبّت عمارة العباسي بأن بدّل النظام الداخلي للإتحاد لأجل حمايته من أغلبية المكتب الجهوي التي كانت ضدّه أنذاك و جاء عبد السلام جراد ليواصل السلسة السوداء للعروشية بل ليبارك إعتقال و طرد و سجن العديد من نقابيي الجهة...

    ما يؤلم أيضا أن هناك من الأحزاب من يستغل هذا الظرف الحسّاس للقيام بعمليات دعاية رخيصة و إلا ماذا يعني أن تقع الدعاية الحزبية لكي يذهب عبد الفتاح مورو لصلاة الجمعة في مكان محايد ( هههههه) بين مسجد الجريدية و مسجد اولاد بويحي أليس هذا رسم لحدود جديدة بين أبناء الشعب الواحد ؟؟

    قفصة لم تعد قفصة صديقتي....إنها بشعة بشكل يدعو للقيء...أندّد بالجريمة و المجرمين أندّد بعقول العصور الوسطى.

    التعليقات
    4 التعليقات

    مدون بلوجر

    المشاركات الشائعة