• الرئيسية
  • قصة قصيرة
  • ادب عربى وعالمى
  • رجيم وصحة
  • سياسة الخصوصية
  • تواصل معنا
  • زرقـة بـحـر... و مـوعـد (17)


    ساقته قدماه إلى المحطّة الكبيرة دون أن يعلم كم أخذت هذه المسافة من الوقت، أكان مسرع الخطى أم وئيدا؟ لم يتذكّر حتى الطّريق التي سلكها كي يصل إليها، المهمّ أنّه الآن على عتبة باب المحطّة و أنّه سيراها بعد لحظات أو دقائق، جال بنظره وسط بهو المحطّة الواسع و المليء بالمسافرين،ركّز نظره على المسافرات تحديدا رغم أنّه كان متأكدا من أنّها لم تصل بعد لكنّ شوقه لرؤيتها جعله يتصوّر هذا القدوم الفجائي، و تراء له أنّها الآن بين المسافرات القادمات من اتّجاه وصول المسافرين بل من الممكن أنّها تراه الآن و لا يراها،يجب أن لا تفاجئه وهو يتفحّص وجوه القادمات واحدة بواحدة حتّى لا يثير غيرة كامنة عادة في أغلب قلوب النّساء وحتّى لا يثير زوبعة هو في غنى عنها و عليه أن يكون حذرا و يقظا فلا يجب أن تظنّ ما لم يكن يقصده.

    عندما سمع رنين جرس هاتفه، ارتعش و كأنّه لم يكن ينتظر هذا و بدون أن يدقّق النّظر في الشّاشة أو في رقم الهاتف يضغط على زرّ الإجابة فتجيبه لحينها و تعلمه أنّها وصلت لتوّها وهي تبحث عنه في بهو المحطّة. ينبسط و يبتسم و تعلوه الفرحة و يجيبها أنّه بدوره ينتظرها قرب باب خروج المسافرين ثمّ يتدارك الأمر و يعلمها تحديدا أنه يقف بجانب كشك الجرائد الظّاهر للعموم قرب الباب الرئيسي و عليها أن تتوجّه في هذا الاتجاه. يتطلّع في وجوه المسافرات القادمات من جديد الواحدة تلو الأخرى، انتقل بسرعة من بين الوجوه لأنه لم يصل إلى الحدّ الذي نسي فيه جميع ملامحها بل أنّ خطوط وجهها الكبرى و ملامحها التّي تميّزها عن الأخريات لن يمحوهما أيّ زمن و أيّ مسافة. بينما هو يتفحّص الوجوه، تظهر فجأة كما كان ينتظر، لم يكن يعلم أن كانت رأته أم لا بحكم أن نظّارتها الشّمسية الدّاكنة تمنعه من رؤية اتجاه نظراتها،بعد حين لاحظ تهلّلها و بسمتها العريضة وهي على بعد أمتار منه فتأكّد ممّا لا مجال للشكّ فيه أنّها رأته بدورها الآن. يتقدّم نحوها و بحركة عفوية يشير لها بأنّه رآها ثمّ يضع هاتفه في جيب جمّازته اليمنى. كانت تمسك حقيبتها السّوداء بيدها اليسرى بينما تمسك بيمناها هاتفها الجوّال، ابتسامة عريضة تعلو وجهها المنير المتطلّع إليه، خطوات إيقاعية غير مسرعة و لا متثاقلة، شعرها الذي لم يتغيّر لونه و الذي عهده منذ أن رآها في أول مرّة يغطّى الجزء الأكبر من خدّها الأيسر. انمحى كلّ هذا العالم أمامه، كلّ هؤلاء البشر الذين ملئوا المحطّة منذ وصوله إلى و الذين أزعجوه بحركتهم الدّائبة و ذهابهم و إيّابهم لم يعد لهم وجود، كأنّهما وحيدين في هذا المكان هكذا تراءى له وهو يصل إليها يخطاه المرتبكة و الغير ثابتة. مدّ يده ليصافحها أوّلا، لما لامس كفّه كفّها شعر بذبذبة خفيفة و رعشة كان هو في الحقيقة مصدرها، كان مرتبكا و كانت هي ثابتة و متّزنة، رسم قبلته الأولى ثمّ الثّانية على خدّيها، شعر بدفء القبلة على وجنتيها، أضاف عطرها الطّيب المنعش الذي نبّهه أنه ليس في حلم ، دغدغه العطر مرّة أخرى و أخرجه من حالة الشرود، في الحقيقة لا تهمّه زينة النّساء كثيرا بقدر اهتمامه بعطرهنّ فالعطر وحده هو الذي يستفزّه و يثيره و ينبّهه. أمسكها من يسراها و سارا جنبا إلى جنب للخروج من المحطّة في اتّجاه الشّارع الطّويل الذي سوف يوصلهما بدوره إلى وسط المدينة. كان لا بدّ أن يقطع لحظات الصّمت المربكة وهما في أوّل الشّارع بأن تحسّس أصابع يدها التي ظلّت منذ أن إلتقيا بين أصابع يده اليمنى،ظلّ يداعب يدها برفق و يحفض دفء كفّها بكفّه، كانت أناملها ليّنة و دقيقة و بيضاء كقطعة قطن رفيعة و كانت ألوان يدها تتراوح بين اللّون الأصفرالبارد الى اللّون الأحمر الدّاكن ،كفّ يد يميل بين البرتقالي إلى المشمشي و أصابع يد تميل من الأبيض النّاصع إلى الاصفر اللّيموني إلى طلاء أظافر تميل إلى الحمرة العنّابيّة، لوحة دافئة بين أصابعه ذات ألوان قزحيّة في يوم ربيعي قليل الدّفء تشعّ فيه شمس بأشعّتها الصّفراء الذّابلة، يد كقطعة جبن نكاد تذوب بفعل الدفء أو كحبّة فقاع خريفي تخاف أن تخدشها طريّة الملمس بقدر يشعره أنه خشن بقدر لا يحتمل رغم لين تحسّسه لها. سحب يده بلطف حتى لا يرهقها بخشونة لا يقصدها، عندها شعرت بأنه ترك يدها نظرت اليه و كأنها تستفسره عن السّبب و الدّاعي، قد تكون استأنست به و طمأنها أنّه بجانبها أو قد يكون دفء يده بعث فيها حرارة و أمانا، فهم أنّها لم تستسغ سحب يده و لو كانت الحركة بلطف، ابتسم كمن يكفّر عن ذنب ارتكبه، كان يجب أن لا يفعل هذا فمهما يكن فهي في ضيافته و لها عليه حقّ الطمأنينة، أعاد مسك يدها من جديد داعيا إيّاها الى الابتعاد قليلا عن الطّريق لأنّ الرّصيف ضيّق، لم تعر اهتماما لهذا أو لمرور السّيارات بسرعة غريبة قد تكون مؤذية، ترك من جديد يدها و مرّر ذراعه على خصرها و سحبها بلطف الى حافّة الرّصيف الأبعد عن الطّريق،"ابتعدي قليلا عن الطّريق فلم يستفد أحد من الثورة إلى حدّ الآن إلاّ الفوضويون و اللّصوص و مجانين السّياقة في الطّريق العام" هكذا قال وهو يشعر بمرارة، نظرت إليه مبتسمة كأنّها تشاطره الرأي قائلة: أتخاف عليّ أم ...على نفسك؟ ارتخت يده قليلا على ردفها، لم يكن يقصد هذا، أعاد يده إلى الأعلى ، إلى مركز الخصر، لم يرد احراجها أو إرباك نفسه رغم انّ تحسّس ردْفها أغراه و نبّهه الى أنتظام وقع خطواتها على الرّصيف، إنتبه إلى عدم انتظام خطواته مقارنة بها، أعاد تنظيم سيره بما يتناسق و مشيتها، قد يكون خوفه عليها من هذه السيّارات المجنونة أفقده التركيز حتى على نظام خطوته،بعد أن توسّط الرّصيف ضغط بلطف على خصرها قائلا: يجب أن أخاف عليك أوّلا و ثانيا و أخاف على نفسي ثالثا، فبدون حضورك في مخيّلتي و في حياتي سواء أكنت قريبة مني أو بعيدة عنّي جسديا لا يصبح للحياة معنى و تفقد كلّ الأشياء قيمتها و دلالتها،ثم إلفت إليها ثانية قائلا: أتشكّين في خوفي عليك أم كان يجب أن أذكّرك بهذا، ألا ترين أن هذا في عينيّ ؟ أجابت و هي تعيد تثبيت نظارتها الشّمسيّة على عينيها كأنّها تريد أن تقول أنّ النظّارة الدّاكنة تمنعها من الرّؤية الواضحة في عينيها: فقط أردت أن أتأكّد من حرصك عليّ، قد يذهب البُعْدُ بعض الحرْص أو كلّه ، بل قد يُذْهِبُ أشياء أهمّ من الحرْص ... أجاب : مثل ماذا ؟ ردّت: إمْممم....مثل...الشّوق...بل حتّى الحبّ... أيْ نعم...قد يكون ألا ترى معي ذلك ؟ .

    سحب ذراعه من على خصرها كأنّه يرفض هذا الكلام منها وهي التّي لا تشكّ أبدا قي مدى حبّه لها ثمّ شدّ أصابع يدها من جديد بما يكون بين الشدّة و الليّن قائلا: بل أن البعد يؤجج نارا لا يعرفها إلّا من اكتوى بها، أيّتها المجنونة العاقلة هل هذا كل ما تصوّرته طيلة هذه الفترة ؟ ...

    تبيّن أنهما كادا أن يتجاوزا المكان، لم يعد للمسافة أو الوقت أيّ معنى، بل لم يعد للمارّة أيّ وجود تشابهت الشوارع و الأنهج و الأبواب و وجوه النّاس، تبيّن لهما في آخر الطّريق أنّهما كانا يمشيان على مهل، و أن الوقت لم يسرق منهما أيّة لحظة سعادة و الدليل أنهما أحسّا بصدق اللحظات .

    لم يفكّر في أيّ شيء طوال هذا الطريق إلاّ أن يجعل منها امرأة سعيدة تنسى فيها كلّ خدوش الحياة و بعض قسوتها و صعابها فكل ما فكّر فيها هاله أن تكون رقيقة بهذا الحدّ و هذا الحجم، تكاد تجمع بين الشيء و نقيضه تراها ضاحكة و مشرقة لكن في المقابل هناك خطّ رقيق شفّاف من الحزن لا يكاد يرى يرتسم على أطراف حدقتيها، لم يرد أن ينبش في هذا الخطّ و يعرف سرّه فلا يمكن لصفحة كاملة من الإشراق أن يفسدها خطّ حزن لا يكاد يُرى ثمّ قد تكون هذه السّمة الخفيفة من الحزن هي التّي جعلتها أقرب إلى قلبه أكثر من أيّ شيء آخر و هو الحبل السرّي الرّفيع الذي جعله ينجذب إليها دون تفسير ثمّ أنه قد يكون شريكا في رسم هذا الخطّ و تفاصيله. يالها من امرأة رائعة حتّى في تفاصيلها الصغيرة و في نبرة حزنها و لحظات كسوفها الخاطفة. استفاق من غفوته، تساءل في حيرة لماذا ترك اللبّ و ذهب إلى التفاصيل الصغيرة و بعض الفواصل التي لا تكاد تُرى؟ عليه أن يرسم البسمة على وجهها على الأقلّ في هذا اليوم بالذّات الذي انتظره من أيّام عليه أن يراها سعيدة ففي سعادتها سعادته و في بهجتها بهجته.

    قطعت شروده و لحظات صمته وهي تدغدغ أصابع يده و كأنّها أحسّت أنه لم يكن معها في تلك الفترة الزّمنية قائلة: مالك صامت و شارد الذهن ؟ أشعر أنّك غبت قليلا حتّى أصابع يدك تجمّدت بين أصابعي، هل هناك ما يشغلك؟ لمّا أكملت كلامها شعر أنها جذبته من قاع بئر عميقة أو حقل واسع من التّيه، ارتبك و مهمه ثمّ تعجّب، كيف تأخذه رؤى ضبابية وهو في قمّة سعادته، هل يكون الخوف من الآتي أم ظلال خيبات الماضي ؟ قد يكون ما لا يمكن إخضاعه لتفسير مقنع لكنّه في النهاية شعر أنّه لم يكن معها لقد مرّ بلحظات مثقلة بخوف مّا ، نعم لم يكن معها بل كان فيها يسبر أغوارها، هي كالبحر الهائج المتلاطم الأمواج حينا و الهادئ الصّافي البلّوري الآسر أحيانا وهو كالبحّار الذي أتعبته الرياح و صراع الأشرعة والذي أنهكته الأمواج فصار يخاف البحر حتّى في صفوه.

    نظر في عينيها من جديد، كم مرّة سيعتذر ؟... يداعب أصابها كمن يريد أن يذكرها أنّه لا زال بجنبها و أنه لن يتركها، شدّه قوس حاجبها الذي يحرس و يرصد رموشها، حركة مداعبة بين الرّمش و الحاجب، حاجب يظلّل العين و رمش أعلى يقطع مسافاته بين الرمش الأسفل و الحاجب و يسدل ستاره على عين صافية عسلية بين الحين و الآخر، مشهد يدعوه إلى الصمت و التنعّم بجمال المشهد فقد يلهيه الحديث عن لذّة المتعة برؤية تلك المساحة الصغيرة القاتلة و الصابئة المتناسقة الحركة و الجمال.

    كم مرّة سيعتذر عن لحظات الصّمت المتكرّرة ؟... يسحبها بلطف من يدها و يشير بإصبعه إلى المكان الذي اختاره، تنظر في عينيه كمن تتساءل عن الوجهة و المقصد دون أن تنطق بشيء فيردّ عليها بإيماءة أن نعم هو ذا المكان فقط قليل من الصّبر لتكتشف أنه مكان هادئ و رائع، فهم ما تريد دون أن تنطق و فهمت ردّه كذلك دون أن ينطق. عند الوصول أجالت بنظرها في أرجاء المكان ثمّ ابتسمت ابتسامة الرّضا وهي تنظر في عينيه، أسعده اطمئنانها للمكان و أريحيتها البادية على وجهها، أخذ نفسا طويلا و وضع هاتفه على الطّاولة البنيّة اللّون بجانب حقيبة يدها و جلس باسترخاء و كأنّه يجمع قواه من جديد بعد شعور عابر بالإرهاق و ما قد خلّفه ثقل الإنتطار الصّعب عليه، كان يمرّر يده بين الفينة و الأخرى على ذقنه كأنّه يشكّ أنه في اليقظة و أن ما يحدث ليس مجرّد حلم بينما انشغلت لبعض الوقت أمام المرآة لترتّب شعرها الذي بعثر نظامه فعل الريح و هي في الطّريق إلى العاصمة، لم يشأ أن يتابعها و هي أمام المرآة حتى يترك لها المجال واسعا لتفعل ما تريد دون إحراج لعلمه أن الكثير من النّساء يحبّذن الإنفراد بالمرآة و ترتيب التجميل المظهري بعيدا عن عيون الآخرين، لم تأخذ وقتا طويلا، أكملت ترتيب شعرها ثمّ استدارت في حركة سريعة وهي تبتسم كمن تريد أن يعيد اكتشافها مرّة ثانية بعد تعديل شكلها و تثبيت بعض خطوط التجميل على وجهها، نظر في عينيها مبتسما و قد لفحه عطرها ثانية بشكل أقوى من المرّة الأولى و هما في الطريق، فهم منها أنها تريد رأيا في شكل تصفيف شعرها أو شيئا من هذا القبيل، مدّ يده ليبعد خصلة شعر تغطّي كامل جبينها و حاجبها و نصف عينها اليسرى لتصل أسفل خدّها قائلا: أنتِ دائما جميلة سواء أطلقت شعرك أم ربطته، فقط لا أريد من خصلة الشّعر هذه أن تكون حاجزا بيني و بين عينيك و إلاّ سأشبكها إلى الخلف كأفضل حلّ، أنا أكره الحواجز خاصّة عندما تحجب عيونا جميلة مثل عينيك، قال هذا وهو يتحسّس حاجبها الذي خبّأته خصلة الشعر كأنّه يعيد رسمه من جديد ، نسي خصلة الشعر وهو يرتّب حاجبها بين أنامله، فتحت حقيبتها اليدويّة و بحثت على مشبك شعر معدني صغير أسود اللّون بحثت في أرجاء الحقيبة و بعد لأي وجدت واحدا، أخذته بين أصابعها و فتحته و مرّرت خصلة الشّعر بين فكّيه و شدّتها إلى الخلف و هي تقول : أيرضيك هكذا ؟ سوف أريحك من هذه الخصلة نهائيا حتى تترك حاجبي، هههههه... ليس حاجبا اصطناعيا كما ترى...قال: لم أشكّ أبدا في أنّها اصطناعية، ثمّ هل يوجد في عالم التجميل حواجب اصطناعيّة، أنا أعرف فقط الشّعر الاصطناعي " الباروكة" في الحقيقة لم أرى امرأة تلبس هذا إلاّ في بعض الأفلام ثمّ أعيد و أكرّر ، أنتِ لست في حاجة لكل ما هو اصطناعي، أنا لم تخنني في يوم مّا عيناي، أنت جميلة كما يجب، قال هذا وهو يداعب خدّها برفق كمن لا يريد خدش ورق شفّاف عندها مسكته من ذراعه لتبعد يده بحركة ليّنة عندما اقتربت أصابعه من أعلى الرّقبة و أسفل الذّقن، كان أسفل ذقنها طريّا كقطعة جبن أبيض، أغراه خلوّ المكان وانفرادهما بأن يحضنها و يتركها تدسّ رأسها في صدره فلم تعد له طاقة تحمّل فعل عطرها و أثره عليه، تراجع قليلا وهو يمسك كلتا يديها و يبعد أساورها إلى المرفقين شعر أن كل شيء يغريه شفتاها المحمرّتان كزهر الجلنار وجهها المنير كقمر صيفي، يجب أن لا ينهار أمام سحر عينيها، يجب أن يحافظ على حصنه الأخير من الكبرياء ، تسلّلت أصابعه بين معصمها و أساور يدها ، شعر بوخز الغيرة فكيف لهذه الأساور أن تتطوّق ذراعها دون استئذان و كيف له أن ينتظر كل هذه الفترة حتى تتسلّل أصابعه لمعصم يدها؟ نظرت إليه و هو يداعب يدها و يدفع أسورة فضيّة تتوسّط ذراعها و تحتلّ المكان الأنسب من يدها ثمّ قالت: كيف ترى الأسورة هل أعجبتك؟ ردّ قائلا: هي جميلة لكنّني أكره الطّوق و أريد أن أعتق يدك منها، فهمت من كلامه أن الغيرة تدغدغه قالت وهي ضاحكة: أنا أحبّ قيودي التي اخترتها و اكره القيود التي تفرض عليّ، ألا ترى أنك أسرفت ؟ أجاب: في ماذا أسرفت ؟ قالت: في الغيرة طبعا، الغيرة تقتل الحبّ أحيانا هي عمياء لا تفرّق بين الخطأ و الصّحيح، سبق و أن نبّهتك إلى هذا في العديد من المرّات فالغيرة كالبهارات تجعل الطعام لذيذا الطّعم إذا كانت بتقدير و تفسده إذا أكثرت منها، على فكرة لقد بدأت أشعر بالجوع ...شعر بحرج و هي تكشف أحد نقاط ضعفه، نعم هو يغار لدرجة لا توصف ولحدّ ّالإسراف أحيانا، لذلك لا بد أن يصحّح المسألة، قال وهو يتحسّس شاربيه: نعم أعترف بعيبي الذي أفسد عليّ في بعض المرّات لحظات سعادتي، أنا هكذا، أعجز في كل مرّة في التخلّص منه، عليك أن تتحمّلي معي هذا العبء، أنا أكره الرّجل الذي لا يغار على أنثاه، أعتقد أن هذا ليس انتقاصا من رجولته بل هو قبس يبعث الدفء اللّازم لكي لا تخمد نار المحبّة فاقبليني بعيبي إن صحّ أن نسمّيه عيبا، نظرت في عينيه مبتسمة و كأنّ غيرته عليها تنعشها و تحسّسها أنها أنثى ومغرية ثم قالت: نعم...نعم ...أقبلك بعيوبك يا سيّدي. نظر إليها مشدوها و قال: عيوبي ؟ لم أكن أعلم أن لي عيوبا أخرى هل لك أن تذكري عيبا آخر لا أعرفه، قالت: العيب الثاني أنّك عنيد و مسرف في العشق، العيب الثالث هو أنّك لا تسمعني حين أقول لك أنني أشعر بالجوع، أأزيدك أكثر....أنا جااااااااائعة يا رجل ألا تسمع، و أنت ألست جائعا؟ ردّ: سمعت...سمعت لا أنا لست جائعا بل يكاد يقتلني العطش، ردّت وهي تمدّ يدها لحقيبتها اليدويّة كأنّها تبحث عن قارورة ماء: العطش، أنت تشعر بالعطش و الماء موجود؟ مسكها من يدها ليعطّل حركة البحث في حقيبتها اليدوية قائلا: أريد أن أرتوي من عينيك الساحرتين فلا خير في عين لا تروي الظمأ، عطشي يقتلني مولاتي و الماء بجانبي لا تفصلني عنه إلاّ مسافة مرود عين و تمنعني منها أهدابك و قوس حاجبك. دفعته بلطف وهو يهمّ بها ليحضنها بين ذراعيه وهي تقول: كفى غزلا أيّها المجنون قلت لك إنّني جائعة لنا متّسع من الوقت لتطفأ الظمأ فيما بعد، سأعطّل كل الفواصل و أزيل كل الحواجز لتشرب من العين التي تريد، لست أكولة لكنّني لا أطيق الجوع كما لا تطيق أنت العطش. نهض من مكانه قائلا: أمرك مولاتي ما الذي تشتهيه الأميرة عليها أن تأمر و علينا الطّاعة، قالت: قلت لك لست أكولة يكفي قرص متوسّط من البيتزا و عبوّة من عصير الغلال هذا كاف وزيادة، لا تنسى فطورك حتى لا أضطر لقسمة قد تكون غير عادلة ...ههههههههه...ردّ وهو يبتسم و يهمّ بالمغادرة: اطمئنّي سأطلب "بيتزا " أخرى لكي لا تضطرّ الأكولة للقسمة...سأعود بعد قليل لا تقلقي.

    يتبع ....

    التعليقات
    9 التعليقات

    مدون بلوجر

    المشاركات الشائعة