• الرئيسية
  • قصة قصيرة
  • ادب عربى وعالمى
  • رجيم وصحة
  • سياسة الخصوصية
  • تواصل معنا
  • غــيــم الـعــشـْــوة...( غيم المساء)


    عجبي لماذا يغادر أصدقائي الدنيا ولا يتركون إلاّ عناوين قبورهم ؟؟ ثم لماذا يغادرون مساء الخميس أو الجمعة و مع منتصف الليل تحديدا ؟؟ وهل هي السيّارة ذاتها التي تأتي بالسّرعة المجنونة و الكافية لتنهي حياة من أحب ؟؟
    - عبد القادر: كان أمله أن ينهي نشاطه النقابي المتعب و الذي يكلفة من الوقت و المال ما لا يتحمله و ما ضاقت به عائلته، ولينهي مسلسل الإغراءات التي تعرضها مؤسسته " لبيع" بعض القضايا النقابية التي تأرّق إدارة المؤسسة، صمد في وجه الأدارة التي هي على علم بضائقته المالية و التي استعملت نفس الأسلوب مع من سبقة من المسؤولين النقابين و نجحت تقريبا في جلّ مهماتها إلاّ ما ندر، لكن ما آلمه و حزّ في نفسه هو تهم التخوين و "البيع" التي روّجها بعض ضعاف الضمائر من العمال بعد سقوطهم في فخ الإغراء...ذات صباح بارد هاتفني عضو نقابة المؤسسة ليعلمني أن الصديق عبد القادر مات بعد ان داسته سيارة مجنونه و هو يستعدّ للعودة لمنزله ليلا من إحدى مقاهي المدينة....

    - طارق: كان أمله أن ينهي حياة العزوبية و أن يحقّق أمل أمه في أن ترى أبناءه يلعبون أمامها قبل موتها ، كان يماطلها و يعدها و يخلف وعده ، رغم أنه تجاوز الأربعين بسنوات، وأخيرا قرّر انهاء حياة العزوبية فقط ليسعد أمّه و ليكتشف الحياة الزوجية التي طالما أخافته ليقينه أنه لن يكون زوجا منضبطا و لأنّ سنوات الفوضي و الهامشية تركت بصماتها و أمعنت، فكان يعتقد أن المسكينة التي وجدها للزواج منه لن تكون سعيدة أبدا ، لكن من يدري ؟؟ لعلّ الحياة تتبدّل بعد الزواج، قال ذلك وهو يشكّ في أقواله إلاّ قراره بالزواج إرضاء لأمّه...أستقلّ سيارة التاكسي للرجوع لبيته ليلا ، دفع أجرة التاكسي، وهمّ بقطع الطريق، في هذا الوقت بالذّات تأتي السيارة المجنونة لتنهي حياته و أمله بالزواج لإرضاء أمه....

    - محمد صالح : كان أمله أن ينهي سنوات التدريس التي لم يبقى لها إلاّ بعض الأيام أو الساعات ليخرج نهائيا مجال التعليم و التدريس لمجال يعشقه و طالما تمنّاه ، وهو مجال الفلاحة ، سوف يعتني بأرضه التي طالما أهملها لإنشغاله بالتدريس و بالنشاط النقابي و السياسي أحيانا ،سوف يصلح أرضه بجهة الكاف ، و يزرع ما شاء من الأشجار ، ويشرف بنفسه عن عمليات البذر و التسميد و الحصاد، و يعوّض ارضه ما لحقها من سنوات الإهمال و الكراء و الإستغلال المتعب للتربة. ذات صباح ليس ككل الصباحات ، أعلمني أحد أصدقائي أن سيارة مجنونة أتت مع منتصف الليل في السّرعة الكافية للقضاء على نفس بشرية، فوجدت أمامها الصديق و الأستاذ العزيز..

    - شفيق: صديق عزيز، أستاذ الموسيقى ، تربّى في أعالي الكاف ، رقيق و خجول ، يتحدث عن أماتيه، يلعن الدنيا، يتساءل : هل يستطيع أن يكون الفنان موظفا للحكومة؟؟ و من أين يعيش الفنان إذا غاب عنه راتبه الشهري ؟؟ كيف يمكن أن يتصدّى لمن شوّه التراث الموسيقي وتراث جهة الكاف تحديدا بهذا الراتب الزهيد، هل من مشروع فني كبير محترف و مموّل ماليا من السلط و من التبرّعين الغيورين ؟؟؟ لا أحد ... أذا فاخرجْ من المدينة ياشفيق ، لعلّك تجد عالما أرحب ، فلا نبي في أهله...يجيب: هذه المدينة لم تطردني بعد ، سأموت لو غادرتها ، سأبقي فيها لأجل أملي ..كنت انتظر ان تري القريحة النور كما أحبّ شفيق أن يراه الأخرون، و كنت غادرت المدينة لأسباب مهنية منذ خمسة عشرة عاما، كنت أسأل عنه و عن أصدقائي الأخرين ، لم أكن أسمع ما يفرحني، فقد علمت أنه عجز تماما عن القيام بمشروعه و تعكّرت حالته الصحية و النفسية، وكره راتبه الشهري ، و كثرت غياباته عن العمل ، و كره أن يرى حلمه يموت أمامه و لا أمل في إنقاذه فدخل في دوّامة اليأس..
    ذات صباح بارد و منذ أسبوع، هاتفي أحد أصدقائي ليعلمني بالخبر الصاعقة ...كالعادة فقد كان شفيق يستعد للرجوع لمنزله و تأتي السيّارة المجنونة في ذلك الوفت بالذات و تفعل فعلها و لا تترك أيّ أمل للحياة ...الفرق الوحيد في هذه النهاية هو أن شفيق مات بعد أن مات مشروعة قبله و واراه التراب بعد أن إستبدّ به اليأس...لتنم في سلام وهدوء يا شفيق .. فقد كنت الخسارة الفادحة و المشروع الفني الذي لم يرى النّور و كنت فنّانا رقيقا و خجولا و طيّب المعشر..لعلّ رفعة نفسك و خجلك هما اللذان قتلاك ؟؟؟


    هدية إليكم جميعا ..أيها الأصدقاء الأعزّاء فالموسيقى ملجئي و مهربكم من كل حزن عميق...

    التعليقات
    2 التعليقات

    مدون بلوجر

    المشاركات الشائعة