• الرئيسية
  • قصة قصيرة
  • ادب عربى وعالمى
  • رجيم وصحة
  • سياسة الخصوصية
  • تواصل معنا
  • زواج كما أريد له - 8 - اجمل القصص القصيرة

    لأول مرة تجلس أمي حذو أبي دون إذن مسبّق ، و لأوّل مرة يغضّ أبي الطرف ، و يقبل الجلوس مع النّساء دون احتراز أو تذمّر ، كانت أمي تعرف أنّ أبي في حاجة إليها و كان أبي يعلم أنّ لولاها و بدونها لا يستطيع إتمام أمره، كلاهما في حاجة للآخر ، أمي تريد معرفة السرّ و أبي في حاجة لمساعدة مّا ..." ما يعرف داء الرّوم كان لندلسْ" قالت هكذا أمي ، تواضع أبي لكل تحدّيات أمي ربحا للوقت و الغاية ، قالت أمي إذا ما بشراك للمرأة يا رجل ؟؟؟؟ تنحح أبي وأخذ نفسا من سيجارته ، و قد شعر أنه يتنازل لحدّ ما أمام إمرأة في حاجة إليها، وشعرت أمّي أنها صاجبة الأمر و النهي لحدّ ما كذلك..قال أبي : أتسمعين بحامد ..حامد ..الرجل الذي أفطر معه يوميا ، ذلك الذي أقول أنه يشاركني طعامي ، و أقول لك ضعي أكثر ما يمكن من الطعام بما يفي حاجتي و حامد، ..أجابت أمي : نعم نعم ..أسمع به ... حامد أخو فلان و فلان ....نعم ..نعم أعرفه ، و ماذا عنه ؟؟؟قال أبي منذ اليوم الذي جاءت فيه الضيفة وهو يتتبّع أخبارها بكل دقّة،قد أقلقني في بادىء الأمر أما اليوم فقد عرفت سرّ تتبّعه للأحداث، و قد عذرته، إنه على علم بها رغم احترازاتي، أتعرفين ماذا طلب منّي اليوم ؟؟؟أجابت أمي بإيمائة : لا....أبدا لا ..نظر أبي إليها ضاحكا و مستنجدا و قال لها : اليوم و وقت الإفطار و بعد شرب الشاي ، و بعد تردّد كبير طلب مني حامد الزواج من " ربْح" على سنّة الله و رسوله ...؟؟؟ ...استهجنت منه الطلب في بادىء الأمر ، لكن بعد طول تفكير و تروّي ، رأيت أن الأمور ممكنة شرط توفّر رضاء "ربخ" فهي صاحبة الرفض و القبول ، و لن أجبرها أبدا على زواج ممن لا ترضاه..و...ووو.. بدأ أبي و كأنّه رجلا ديمقراطيا متفتّحا لا يريد غصب النساء على الزواج ، و صاحب نهي قليل و متسامح ، و بدت أمي مشدوهة أمام ليونة و تفاتّح و ديمقراطية الوالد، لكنها لم تصدّق كلام أبي ، فقد عرفت أمّي أنّها الوحيدة القادرة على إقناع "ربح" بنعم أو عدم الرّفض..و عرف أبي أن الأمر يمر بإذن أمّي و بيديها، فتمالك نفسه لحين معرفة ردّ "ربح" و تظاهر باللين و التفتّح...فهمت أمي أنّ رضى أبي عليها مرهون بإقناع ربْحْ و أن في صورة عجزها أو تقاعسها عن أداء مهمتها التي يريدها أبي مهما كلّفها ذلك ستكون وبالا عايها و على ربح . في الواقع ظهر أن أبي لما أحسّ بجدية حامد و حسن نيته ، رأى أنه من الممكن تزويجها و الإطمئنان عليها...قلا يستر المرأة إلا رجل او قبر، ثمّ إنّ الغريب للغريب حبيب ....
    حامد هذا، رجل لم يتزوّج قطّ في حياته ، يشتغل كعامل صيانة للآلات الفلاحية منذ عهد الإستعمار و منذ أن كان صاحب الضيعة الفلاحية وهو الإيطالي الجنسية معلّمه ، الذي علّمه أصول الفلاحة ، و كيفية صيانة الآلات الفلاحية ، من الجرّار الى الآلة الحاصدة الي محرّك ضخّ المياه، الى المحراث الى.....كان حامد فارغ البنية ، جهوريّ الصوت، طويل القامة، ذو لباس مسودّ اللون كله شحومات و زيوت ميكانكية، يلبس بيرية حتى في فصل الصيف ، يعيش وحيدا ، و يرفض إعانة الناس في كل خصوصياته المنزلية و التنظيفية و حتى المعاشية، و يرفض إعانة زوجات إخوانه الثلاث و حتى إعانة أخته فيما يخصّ أمور بيته و غسل ثيابه. منذ فارق حامد صاحب الضيعة السّابق الإيطالي وهو يترقّب مكالمة أو رسالة منه ليطلب منه الإلتحاق به في ضيعته بإيطاليا ، عاش حامد طول فترة العشرين سنة و هو ينتظر المكالمة ، و رفض كل عروض الزواج من كل نساء الجهة ، حتى قيل أنه عاجز جنسيا و مريض و لا أمل في علاجه وهو يخفي علّته برفضه، حتى لا يعرف الناس سرّ عزوفه عن الزواج، و رفضه كل عرض زواج ، و قد أكّد حديث النّاس ، إنتظاره للإيطالي حتى يهرب بسرّه أو عجزه. كان حامد يتكلم الفرنسية و الإيطالية و حتى بعض الكلمات المالطية حسب زعمه ، و كان كثيرا ما يستعرض عضلاته في اللغة الأجنبية، و كان كثيرا ما يحرجني أمام أبي بأسئلته الفرنسية القريبة للهجة العمّال المهاجرين بفرنسا ، و كنت لا أفهم جلّ أسئلته التي كانت خليطا بين الفرنسية و الإيطالية و المالطية ، و كان يريد أن يظهر لعمّال الضيعة أنه الوحيد القادر على فهم ما يعجز عنه حتى معلّمي اللغات الأجنبية، و كان يتعمّد النطق باللغة الأجنبية حتى يثبت لمصطفى رئيس التعاضدية أنه أكثر علما و معرفة بلغة الأحنبي ، و كان مصطفي لا يدخل في جدال معه لعلمه بقدرته على الفهم و الحديث بلغة أجنبية. كان حامد يقول أنه لن يتزوّج بنتا عربية ، ولن يتزوّج حتى يرحل الى إيطاليا أين سيجد البنت التي ينتظرها ، فتاة إيطالية شقراء ، جميلة، ذات حسن نكاد ترى الماء ينساب في حلقها عند شرابها ، لا تعرف دجل العرّافين و لا سحر و تعاويذ نساء العرب ، تشرب البيرة و ليس الشاي ، و تعرف سر الزهور و الورد، و تعرف أسرار الرجال بلباقتها و حسن كلامها و ليس بالتعاويذ و "السحر" و كلام العرّافين.
    نطرت أمي لأبي و قالت له: انتظر حتى أرى رأي المرأة ؟؟؟ قد تقبل و قد لا تقبل ...ثم ما أدراك أنّها تريد الزواج ؟؟؟؟؟ وهل أنت وليّ أمرها ’’ ؟؟و هنا بدأ أبي يفهم أن أمّي بدأت بتجاوز الحدّ المسموح به ، و تدخّلت فيما لا يعنيها. ردّ ابي: لذلك أكره حديث النساء المرأة تأخذ مترا بدل الشبر ، إذهبي الساعة و افعلي ما أمرتك به ، أريد جوابا هذا المساء و إلاّ .... لم يكمل أبي حديثه حتى نهضت أمي مسرعة و قد فهمت أن أبي بدأ بفقد صبره و أن حصّة المجاملة و صحون العسل إنتهت ...و أنّ طلباته أصبحت أوامر ...
    في المساء ، بعد العشاء بقليل ، كنا نجتمع كعادتنا ببيت البنات مع الضيفة ربح ، قريبا من كانون الشاي ، لما أمرتنا أمي كلنا بالخروج من البيت ، حتى أخواتي شملهنّ الأمر، بعد أن أمرتهنّ بالخروج و البقاء بالبيت الكبير مع أبي . فهمت وقتها أن أمي ستفاتح ربح في أمر الزواج من حامد و أن مهمتها تتطلّب منها النجاح و لا غير النجاح و الموافقة ..
    كانت أمي تعرف أنّ مهمتها ثقيلة و أن نسب النجاح مرتبطة ب"ربح" و أنّ ربح لا تطيق رجلا بعد زواجها الأوّل ، و أن وفاءها و عهدها لزوجا الأول الذي أحبته و أحبها كما تريد كل إمرأة من زوجها، لن تمحيه الدهور و لا حتى الموت ، فقد كانت تبكيه كل ليلة أكثر ما تبكي ابنتها الفقيدة ، و كانت تقول إنّ من أنجب حليمة مات و حليمة لو كان ابوها حيّا لما ماتت و حتى إن ماتت ، فلو كان ابوها حيّا لأنجابنا حليمة و خديجة و فاطمة و ...وو ..ثم تغطس في بكاء مرّ...و كانت أمي تخفّف عنها هذا الألم المبرح و تواسيها.

    يتبع......

    التعليقات
    6 التعليقات

    مدون بلوجر

    المشاركات الشائعة